الأحد 02 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مع أورهان باموك في قصر السحيمي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من زمان ودعوتي بإفساح المجال للمجتمع المدني في العمل الثقافي، من زمان أقول، إن المجتمع المدني أو الاهلي كما يسميه البعض هو منقذ الثقافة ومنقذ كل شيء، وإن زمن الدولة المركزية انتهى ولا يجب أن يعود، فما نعانيه في مصر الآن على كل مستوى هو من إنتاج هذه الدولة المركزية التي أخذت المجتمع في قبضتها بعد ثورة يوليو 1952 . سيقول لي أحد إن وضع الثقافة أيام عبد الناصر كان عظيما ولن أختلف معه، لكن في ذلك الوقت كانت الدولة متصالحة مع نفسها، لا ترفع شعار الحرية وتفعل عكسه، وكان منفذو برامجها كلهم ممن تعلموا في العصر الملكي فكانت عقولهم منفتحة على العالم وعلى البحر المتوسط وأوربا بالتحديد، وكان ذلك وضعا عالميا فأغلب الدول المتحررة حديثا من الاستعمار كانت تتوجه إلى الدولة الاشتراكية، وبقدر تفاوت المركزية نجحت أو فشلت التجارب. في مصر بعد وفاة عبد الناصر أعلنت الدولة حرية الاستثمار وحرية الأحزاب لكنها ظلت مركزية الإدراة ولم تفكر في تحرير وزارة الثقافة وكانت النتيجة خراب الوزارة وهيئاتها التي صارت تنعى من بناها باستثناءات قليلة مثل هيئة الكتاب والأوبرا . على أي حال ظهر المجتمع المدني أو الأهلي في توجه الشباب إلى مراكز الثقافة الأجنبية وبدأت جمعيات ثقافية في الظهور. وزارة الثقافة بما فيها من هيئات منتجة للثقافة لا تستطيع أن تدعم هذه الجمعيات والجماعات دعما واضحا لأن لديها ما تعمله وما تنتجه، من هنا كانت دعوتي ولا تزال بإلغاء الوزارة وتحويلها لوزارة دولة لا تنتج ثقافة لكن تدعم المجتمع الأهلي. ما علينا من هذا الحديث الآن، نتحدث عن أحد مظاهر المجتمع الأهلي الأخيرة وهي الأولى من نوعها، وهو مهرجان القاهرة الأدبي الذي دعا إليه وأقامه وعمل من أجل توفير الدعم له الكاتب محمد البعلي صاحب دار صفصافة لللنشر والتوزيع. ضيوف المهرجان كريستوف بيترز من ألمانيا وهمفري ديفيز من أميركا ومونيكا كومبانيكوفا من سلوفاكيا ودينيس كروفسكي من المجر وستانسلاوي ستراسبرجر واندريزج موسزينسكي من بولندا ومايكل أوكونيل من إيرلندا وكتالين كالدما من أستونيا وبابا دوبلوس من اليونان وإلما راكوزا من سويسرا ومن الكويت ابراهيم الهندال وآخرين ومن مصر كوكب رائعة من الكتاب والنقاد. لسبعة أيام ندوات في أكثر من مكان وجامعة وقدمت وزارة الثقافة ثلاثة أماكن لإقامة الندوات وقدمت الجامعات والهيئات الثقافية الخاصة أماكنها مثل الأتيلييه ومؤسسة دوم وكذلك الجامعات. وهكذا رجل واحد يساعده شباب مثل مصطفى سليمان صاحب مشروع القهوة فن وغيرهم استطاعوا إقامة مهرجان القاهرة الأول تحت عنوان مزج الثقافات وتواصل الأجيال. أمر عظيم يجب تشجيعه ومناسبات رائعة للحوار دون أي مشاكل من نوع لماذا فلان وليس فلان مما يحدث مع وزراة الثقافة التي ينتظر منها الجميع أن ترضيهم، فهذا عملها.
كان نصيبي هو افتتاح المهرجان مع الكاتب التركي الكبير أورهان باموك في قصر السحيمي. أدارت اللقاء الكاتبة والأستاذة الجامعية المرموقة شيرين أو النجا، كان اللقاء رائعا ليس لأني كنت فيه لكن لأن فيه أورهان باموك من ناحية وقامت الدكتورة شيرين أبو النجا بمجهود رائع في وضع الأسئلة الخاصة بكل كاتب وتوجيهها له. وكانت ساعة ونصف مليئة بالعلم والثقافة لاقت رضا واستحسان الجالسين الذين خرجوا من اللقاء سعداء بكل ما قلناه. تفاصيل اللقاء وما قيل كتبته من المؤكد الصحف الإلكترونية أكثر من غيرها من الصحف الورقية وفي نفس الليلة وكانت مناسبة ثقافية فارقة فهذه أول مرة يتم فيها دعوة حائز على نوبل في مصر، ومن الذي دعاه؟ الكاتب محمد البعلي صاحب الأفكار الجديدة دائما، وهكذا تتأكد قيمة المجتمع الأهلي في الثقافة، وكما رأيتم لم تقف الدعوة عند أورهان باموك فقط لكنها شملت عددا من مترجمي وكتاب دول أخري . فهل يستجيب أحد لندائي وتحويل وزراة الثقافة إلي وزراة دولة تدعم المجتمع المدني وتبقي فقط علي الأوبرا ودار الكتب والمتاحف . وإذا لم يستجب احد ,ولن يستجب أحد, هل يمكن لمجلس الوزراء أن يضاعف ميزانية الوزارة بحيث تكون هذه المضاعفة موجهة فقط لدعم المجتمع المدني . وأن يكون معيار الدعم هو الفن وجودته لا شيء آخر ولا انتماء آخر، سيكون الأمر عظيما جدا ومطمئنا جدا لأن جماعة الإسلام السياسي التي يخافون منها لاعلاقة لها أصلا بالفن ولن يصل اليها شيئ لهذا السبب لا لأي سبب سياسي . أحلم بيوم يتم فيه الدفع بالمجتمع الأهلي للعمل الثقافي فيتغير وجه مصر وتقل شكواها.