الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الجماهير تُصحِّح للنخبة وتحميها وتقودها!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ينبغى أن يترسخ فى الوعى العام أنه كان لجماهير الشعب أفضالٌ كثيرة على الوطن والدولة، بل وعلى النخب التى كان يُفترَض أن تكون هى المبادِرة والقائدة بالفكر والحركة، فلو لم تتحرك الجماهير فى 25 يناير 2011 لتمكن مبارك من إلقاء القبض على المجموعة المحدودة التى نادت بالتظاهرات، التى لم يتجاوز طموحُها حدودَ إعلان الغضب ضد جهاز الشرطة والمطالَبة بمحاكمة بعض قياداته وعناصره، وإذا كان مبارك أعمل عقله، وحسب مصلحته الشخصية هو وعائلته، وإذا كان وضع فى اعتباره سلامة نظامه واستمراره، لكان أقال وزير الداخلية ومعه عدد من مساعديه، وأحال بعضهم للنياية العامة، ولكن حكمته التى كان يُحكَى عنها أساطير عجزت عن التقاط معانى وأبعاد الحدث الجلل الذى فاق كل ما سبقه، وكان العنصر المستَجَد الوحيد الذى شكّل هذا الفارِق النوعى هو انضمام الجماهير.
هذه الجماهير هى التى رفعت سقف المطالب إلى الإطاحة بمبارك، كما أنها التزمت، منذ اللحظة الأولى وحتى تنحيه، بشعارات السلمية، مما كان له أكبر الأثر فى حماية أجهزة الدولة والملكية العامة والخاصة، باستثناء ما تكشفت تفاصيله بعد ذلك عن جرائم الإخوان وحلفائهم فى خلفية الحدث الرئيسى، ولكن بعد أن تجلت الحقائق، فإنه لم يكن من الممكن اعتبار هؤلاء من قوى الثورة، ليس فقط لتأخر انضمامهم للميدان، وإنما، وفى الأساس، لاختلاف أجندتهم عن أهداف الثورة، بل تعارض مصلحتهم معها.
هذه السلمية، التى كانت العنوان الكبير والشعار المدوى فى الميادين، هى التى جعلت استقبال الحدث على أفضل ما يكون على المستويات الإقليمية والعالمية، وهى التى وضعت سدّاً منيعاً أمام محاولات القوى الدولية المتربصة، من أن يتجاسروا بالقيام بأى فعل مادى صريح ضد الحكم الجديد، بل لقد صار الحدث نموذجاً يُحتذَى به فى عقر دار أمريكا، وهو ما تجلى عندما رفع المتظاهرون فى ولاية ويسكنسون لافتات تنادى بالاقتداء بميدان التحرير فى احتجاجهم على عمدة مدينة ميلواكى! وكان كل هذا، فى هذه الفترة من تطور الثورة، عاملَ قوة، كان يمكن أن يتطور إلى ما هو أفضل إذا كانت النخبة المصرية استفادت من الأجواء التى وفرتها جماهير الشعب. وهذه واحدة من الأخطاء الكبرى للنخبة!
والآن، وبعد أربع سنوات، وكما كان خروج الجماهير هو العامل الحاسم فى حماية الداعين للتظاهرة، فأن مشارَكة العنصر الجماهيرى هى التى شكَّلت طبيعة وتوصيف الحدث، من كونه مجرد تظاهرة، إلى أن يتراوح التقييم بين أن يكون انتفاضة شعبية كبيرة إلى أن يُعتبر فى رأى الأغلبية ثورة حقيقية، بل ثورة تاريخية.
ولم يقف دور الجماهير عند هذا المدى، بل كان له أثر أبعد عندما تخبَّطَت النخبة فى أول انتخابات رئاسية، إلى حدّ جرّ أغلبية الناخبين فى منزلق توصيل مرشح الإخوان إلى القصر الرئاسى، دون أن يتحصلوا منه أو من جماعته على أى ضمانة بأى التزام مما كان يلغو به هو وجماعته! وهو خطأ آخر لن ينساه التاريخ! هنا تحركت الجماهير مرة أخرى لتصحح ما اقترفته النخبة، وأنقذت البلاد من كارثة استمرار حُكم الإخوان، ولولا هذه الانتفاضة الجماهيرية لكان من الصعب على قيادة القوات المسلحة أن تتدخل، بل صار عدم تدخلها، مع انتفاضة الثلاثين مليوناً فى الميادين، تقاعساً عن أداء دورها الوطنى الذى تتوقعه منها الجماهير.
والجدير بالذكر فى هذا السياق، أنه كان لهذه الجماهير فضل آخر على قادة القوات المسلحة أنفسهم، فقد تبين أن الإخوان كانوا يخططون، إذا استمروا فى الحكم أن يعصفوا بهم، بل وكانت لهم خطط تعمل على توريط القوات المسلحة الوطنية فى مشروعاتهم التى يرسمها تنظيمهم الدولى من خارج الحدود!
ومن الأفضال العظيمة للجماهير، والتى يصعب حصرها فى مقال، هذا الجانب الخاص بالهيئة القضائية، بعد أن نجحت الانتفاضة ضد الإخوان فى إفساد مؤامرتهم التى اعترف بعض قيادتهم بأنها كانت ترمى إلى الإطاحة بأكثر من ثلاثة آلاف قاضٍ وإحلال بدلاً منهم من قالوا إنهم جيل جديد وصفوهم بأنهم نابهون فى القانون، وهم فى الحقيقة أعضاء من خلاياهم النائمة!
وكان من أهم نتائج الانتفاضة الجماهيرية ضد الإخوان النجاح فى توفير أجواء تتيح إلغاء دستور الإخوان بالكامل وتأسيس دستور يليق بالثورة، وهو ما هتف به عشرات الملايين فى ميادين مصر، إلا أن النخبة وقعت فى براثن الحسابات الضيقة وأجازت الإبقاء على سموم من أفكار الإخوان فى التعديلات التى أخرجوها للاستفتاء، ولم يكن هنالك بديل عن الموافقة عليها وتمرير التعديلات بما فيها بسبب الظروف المعقدة الكثيرة التى كانت تحيط بالبلاد.
وحتى الآن، فإن هناك من النخبة من لا يزالون يرطنون بما يسمونه المصالحة مع الإخوان ويدعون إلى دمجهم فى العملية السياسية، دون أن يتمعنوا فى أنها فكرة أمريكية فى الأساس، ودون أن يحسبوا مصلحة أمريكا فى التمسك بهذا الهدف وفى الإصرار على استضافة ممثلى جماعة الإخوان التى لم تعد تدارى اعتمادها للإرهاب، ودون أن يطرحوا تصورهم لما سيحدث فى حالة إشراك الإخوان فى العملية السياسية، بعد أن تكشفت أفكارهم ومخططاتهم، بل ودون أن يقدموا تفسيرات أو تبريرات للتصالح مع من يحملون السلاح ويضربون به جيش وشرطة البلاد ويُصرِّون على الاستمرار فى زرع المتفجرات فى الطرق والميادين العامة وعلى السكك الحديدية، بلا تمييز للهدف، بما يؤدى إلى قتلى وجرحى من عموم المواطنين وهم فى سبيلهم إلى أعمالهم أو قضاء حوائجهم العادية!
لم يُقدِّم أحد من دعاة المصالحة تصوراً لنتيجة الإذعان لهؤلاء الإرهابيين، وما سوف يترتب على إشهار استسلام الدولة والشعب لمن أجازوا لأنفسهم أن يمتلكوا أسلحة ثقيلة تخلو منها ترسانات بعض الدول! ولم يمتد خيال المتصالحين إلى التشجيع الذى سوف يحسّ به كل من يستسهل انتهاك القانون ورفع السلاح، ما دام أن هنالك اطمئناناً لطرح مبدأ المصالحة معه بعد جرائمه!
وأما الردّ العملى المفحم فيأتى هذه المرة أيضاً من الجماهير التى، بالتوازى مع الدعوة للتصالح، تهتف بسقوط الإخوان وتطالب بإعدامهم عقاباً على جرائمهم، بل هناك ظاهرة المواطنين العزل من أى سلاح الذين يشارِكون أجهزة الأمن فى القبض على من يتم ضبطه وهو يقوم بعمل إرهابى.