الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

روسيا ومصر والعالم العربي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بين روسيا والعالم العربي وخاصة مصر تشابهات بنائية حضارية وثقافية وسياسية من الماضي والحاضر، فروسيا تستند إلى حضارة أوراسية راوحت كثيرا، بين الشرق والغرب، بين آسيا وأوروبا، واعتبار نفسها دولة شرقية تنتمي لقارة آسيا تارة، أو دولة غربية تنتمي لأوروبا تارة أخرى، كما زاوجت روسيا بين التقليد والتحديث بين الأصيل والوافد، هكذا فعل العالم العربي ومصر في القلب منه، حيث ظل العالم العربي ولمدة تفوق القرنين ولا يزال يبحث عن الكيفية التى يزاوج فيها بين التقليدي والحديث، بين الأصالة والاقتباس عن الغرب، بين الاندماج في الحضارة العالمية المعاصرة والاحتفاظ في نفس الوقت بالجذور الحضارية التاريخية والخصوصية الثقافية والاقتراب من القيم الكونية والثقافة الحديثة.
من ناحية أخرى تربط العالم الإسلامي والعالم العربي بروسيا علاقات الجوار التاريخي، وعديدة هى الجمهوريات الإسلامية التي دخلت ضمن الفضاء السوفيتي قبل انهياره وتفككه، بل وبقيت علاقات هذه الجمهوريات مع روسيا الاتحادية وريثة بين الاتحاد السوفيتي السابق قوية بحكم المصالح والجوار والأمن القومي.
يرتبط الأمن القومي الروسي ببناء تصورات جديدة واستراتيجيات جديدة للتكيف مع واقع التعدد القومي والديني داخل روسيا وعلى حدودها في آسيا الوسطى والقوقاز والشرق، وهو ما تعيه النخبة الروسية الحاكمة والدوائر الأكاديمية والبحثية ويتضح لهذه النخبة ضرورة إعادة هيكلة السياسات الروسية على قاعدة التوازن بين التوجه للعالم الإسلامي والعربي والعالم الغربي، خاصة وأن روسيا لا تزال ترى في الغرب بقايا عدو قديم عبر محاولة حصارها بالدرع الصاروخية الأوروبية وضم بعض البلدان التي كانت تدور في ظل موسكو لحلف الأطلنطي ومواقف الغرب إزاء صربيا والبوسنة والهرسك وغيرها من الملفات المطروحة للتفاوض مع روسيا والغرب خاصة ملف أوكرانيا.
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتولى روسيا خلافته، وظهور القطبية الأحادية وموجات العولمة، تجد روسيا والعالم العربى أنفسهما في واقع متشابه، واقع يطمح إلى تطبيق الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان والتعددية الفكرية والسياسية والإصلاح الاقتصادي ومحاربة الإرهاب والتكيف مع العالم الجديد والمعطيات المتغيرة على الصعيد الدولى، فروسيا والعالم العربي ومصر خاصة يرفضان التدخل الغربى فى شئونهما ويرفضان المساعدات الغربية المشروطة ويحاولان النهوض باقتصاداتهما على ضوء فكرة السوق الاجتماعية وتحقيق أسس الاستقلال الوطني واستقلال القرار الوطني.
هذه التشابهات البنائية بين روسيا ومصر والعالم العربي، سواء القديم أو الحديث منها، من المفترض أن تعزز من توقعات مختلف الأطراف تجاه بعضها البعض، فمصر والعالم العربي يتوقعان من روسيا أن تلعب دورا مؤثرا فى استعادة الحق الفلسطيني فى الدولة والقدس والتسوية العادلة خاصة وأن روسيا أحد أعضاء اللجنة الرباعية وأن تعزز روسيا تواجدها في المحافل الدولية لدعم الحق العربي والفلسطيني، كما تتوقع روسيا تدعيم التبادل التجاري بينها وبين مصر والعالم العربي وزيادة الاستثمارات العربية فيها بدلا من تركيزها في الغرب، وأن تلعب الدول العربية وخاصة مصر دورا مؤثرا في إنهاء النزعات الانفصالية لبعض المسلمين في الاتحاد الروسي وتشجيعهم على الاندماج على قاعدة المساواة في الحقوق السياسية والثقافية مع باقي القوميات وأصحاب الديانات الأخرى المكونة للاتحاد الروسي.
بين مصر وروسيا مجالات متعددة لتعزيز العلاقات الثنائية خاصة فى مجال السياحة والتبادل التجاري ومجال التسلح والتقنية النووية السلمية والتوجه المشترك لكل من مصر وروسيا في محاربة الإرهاب وبناء نظام متعدد الأقطاب.