الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حتمية إعادة بناء الدولة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مضى من الزمن ما يكفى لنضع نقطة فى أخر سطر الارتباك، الذى يعيشه الشارع والأحزاب والنخب، لنبدأ مرحلة جديدة لبناء وطن جديد، بعد أن تقلبت علينا التجارب المتخالفة، فى مناخات لا تقل ارتباكا، منذ أن شرع محمد على فى تأسيس الدولة الحديثة بمعايير زمانه (1805) بعد قرون من الخضوع للاستعمار بلافتاته المتعددة، والذى عاد مجدداً بعد عقود قليلة، بالاحتلال البريطانى (11يونيو 1982 ـ 18 يونيو 1956).
وبعيداً عن صخب الجدل حول مرحلة ما بعد الاستعمار (1952 ـ 2011)، والتى شهدت بدورها تحولات حادة ألقت بظلالها على الحياة المصرية وشكلت كل ما نعانيه حتى اللحظة، نجد أنفسنا أمام حتمية التوقف والتدبر بموضوعية، حتى نعوض السنين التى أكلها الجراد بامتداد ما يزيد على القرنين باستثناءات قليلة.
وعلى الرغم من إجماع غالبية القوى السياسية على وجوبية التغيير إلا أننا نتعامل مع الأمر بطريقة الجزر المنعزلة، بإصلاح جزئى، وقد اتسع الخرق على الرتق، وينتهى الأمر بنا إلى العودة الى المربع صفر، تحت ثقل الموروث المجتمعى والثقافى، وعدم تسمية الأمور بأسمائها، حدثنا الأدوات ولم نقترب من الأداءات، وصارت الإزدواجية عنوان المرحلة، ولم يعد مجدياً رتق ثوب عتيق برقعة جديدة، والذى ينتج مزيداً من اهتراء الثوب.
وقدر لى أن اتابع تجاربنا فى النصف قرن الأخير، سواء فى المجال السياسى أو فى الدولاب الحكومى، أو فى غيرها من المؤسسات، والملاحظة المشتركة أن التغيير لم يغادر دائرة العناوين، فعندما أرادت ثورة 52 تأسيس تنظيم سياسى يكون ظهيراً لها، كانت هيئة التحرير والتى تطورت مع تقلبات الحكم، لتصبح "الاتحاد القومى" ثم "الإتحاد الاشتراكى" فى مرحلتيه قبل وبعد كارثة يونيو 1967، ثم منبر الوسط فحزب مصر فالحزب الوطنى، عندما انتقلنا الى التعددية الحزبية بعد خبرات التنظيم الأوحد، وكلاهما بقرار فوقى، وكانت المسميات تتغير، بحسب التوجه السياسى للنظام الحاكم، بينما الكوادر التى تقودها تكاد ان تكون هى هى بغير تغيير حقيقى، ولعل هذا يفسر لنا عجز هذه التنظيمات عن ترجمة الرؤى التى يتبناها النظام الحاكم، ولم تفلح فى ان تقود الشارع أو تشكل أغلبية حقيقية، لتنفجر ماسورة الأحزاب مرتين قبل وبعد ثورة 25 يناير 2011، لنصل الى اللحظة التى يستعصى فيها على المتابع حصر الأحزاب القائمة فى الساحة السياسية، والتى لم تنجح هى أيضاً فى استقطاب الغالبية العظمى من الشعب، لتظل الكتلة المستقلة بتنوعاتها خارج منظومة الأحزاب، التى تسمع ضجيجها ولا تلمس مردودها، لذلك كان سقوطها فى 25 يونيو أمراً متوقعاً لغياب ظهيرها الشعبى، كما كان فشلها فى الاتفاق على رؤى متقاربة بعد 30 يونيو متوقعاً أيضاً، وربما لهذا قفز التنظيم الدينى على ثورة يناير، وما زال يسعى مع اختلاف المسميات للقفز على ثورة يونيو، ممتطياً جواد الديمقراطية، وعبر قنوات شرعية، وما زلت القوى المدنية وأحزابها وكتلها مستغرقة فى جدل عنوانه الفوضى، يحتشد بشعارات فارقتها الحياة.
ألم يحن الوقت لإطلاق نفير "نوبة صحيان" للخروج من الحالة التى تلبستنا، لنجلس الى مائدة البحث الموضوعى لمخارج حقيقية وجادة، تسمى واقعنا، وتحدد مواقع المرض، وتكتب روشتة العلاج، خارج التجارب السابقة التى كانت تحكمها المواءمات والتوازنات؟
جيد أن ندعو لمؤتمر اقتصادى عالمى، فالاقتصاد هو الأزمة وهو الحل، لكن هل يجدى ما يسفر عنه من توصيات واقتراحات بعلاجات ناجعة، بعيداً عن البعد الإجتماعى، والبعد الثقافى، بأجنحتهما المتعددة؟، وهل يمكن ان تنتقل علاجاته وخططه إلى أرض الواقع عبر دولاب حكومى يئن من القيود البيروقراطية التى لم تبرح بدايات القرن، فضلاً عن شيوع انماط الفساد واختلالات فلسفة الرقابة، وفى ظل تعليم مازال يعتمد التلقين ويقاوم الإبداع، وإعلام لا تحكمه رؤية قومية، تتنازعه قيود الإعلام الرسمى أو إعلام الدولة، وتشتته طموحات الإعلام الخاص الذى يخضع لابتزاز السوق، وبينهما يأتى الإعلام المتطرف الذى يسعى للارتداد إلى ما قبل الدولة؟.
وهل يصلح مع منظومة قوانين لا تتفاعل مع متطلبات اللحظة فى ضبط علاقات العمل، سواء فى مفهوم العمل وواجبات وحقوق العمال وأصحاب الأعمال، وتفتقر لفهم دور آليات ضبط توجه الاقتصاد، الضرائب وفوائد البنوك، بين دعم الاستثمار ودعم الادخار فى إطار خطة قومية أكثر شمولاً؟
وهل يمكن تطوير الإقتصاد دون الالتفات لقطاع الورش والمصانع الصغيرة وفك قيود نموها وتطورها، ويمكن ان تتحول إلى مارد اقتصادى عصى على الوقوع تحت ضغوط الرأسمالية العالمية، وهى الأساس الذى انطلقت منه الهند والصين والنمور الأسيوية،
نحن بحاجة إلى دعوة رئاسية إلى مؤتمر قومى شامل بالتوازى مع المؤتمر الاقتصادى المزمع عقده خلال الأيام القادمة، يتناول الأبعاد الاجتماعية والثقافية فى دوائر التعليم والإعلام والثقافة، يستعين بخبرات الدول التى تشبهنا فى تكوينها ومعاناتها والتى نجحت فى عبور مضيق التنمية، خاصة فى جنوب شرق آسيا، والتى قفزت فى سنوات معدودة من دائرة الفقر والتخلف لتنافس اقتصادات العالم الأول، واستدعاء الخبرات المصرية التى شاركت فى برامج التنمية فى أروقة المنظمات التنموية الأممية، والحسم فى الانحياز للدولة المدنية بحصر المعنى.
ليس أمامنا إلا اعادة بناء الدولة على اسس علمية موضوعية وبحسم وحزم يواجه فوضى طالت، ونحن نملك ذلك ونستطيعه فى لحظة مصيرية، مواتية، وقيادة وطنية محل إجماع شعبى غير مسبوق، لديها شجاعة المواجهة ولديها رؤية وطنية تستشرف المستقبل، وإرادة لا تلين.