الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

المودودي.. أبو التكفيريين

الحلقة الأولى: فصول من كتاب خالد عكاشة «أمراء الدم» (1)

أبو الأعلى المودودى
أبو الأعلى المودودى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الحرب الطائفية بين الهندوس والمسلمين أدت إلى انقسام شبه القارة الهندية إلى ثلاث دول هى الهند وباكستان وبنجلاديش

«مثلكم تماما، هالنى كم الدماء التى سفكت من دون وجه حق».. هكذا يبدأ الكاتب خالد عكاشة كتابه «أمراء الدم» الذى يعود فيه إلى جذور الفكر التكفيرى ونشأته وانتشاره على يد سبعة من أئمة العنف والإرهاب باسم الدين الذى نراه اليوم.. من أبو الأعلى المودودى الهندى إلى العراقى أبو بكر البغدادى، مرورا بحسن البنا، وسيد قطب، ومحمد عبد السلام فرج، وقلب الدين حكمتيار، وأيمن الظواهرى.

فى الفصل الأول من الكتاب الذى صدر مؤخرا عن دار نشر «سما» يذهب خالد عكاشة إلى الهند التى شهدت مولد الأب الروحى للتكفيريين الجدد أبو الأعلى المودودى.

ولد أبو الأعلى المودودى فى «أورانغ آباد» بجنوب الهند فى ١٩٠٣م لأسرة تنحدر من سلالة شيوخ الطريقة الصوفية الششتية، أكثر الطرق الصوفية نفوذا وانتشارا فى شبه القارة الهندية. 

انضم فى شبابه إلى حركة الدفاع عن الخلافة التركية، ولكن الحركة وصلت إلى نهايتها ١٩٢٤م بعد أن قام الزعيم التركى القومى «مصطفى كمال أتاتورك» بإلغاء الخلافة، وقد تركت التطورات فى تركيا واتجاه أتاتورك إلى بناء دولة تركية على الأساس القومى والتخلى عن الرابطة الإسلامية، أثرها على المودودى، الذى بدأ فى انتقاد العصبية القومية، معتبرا إياها عامل تقسيم للمسلمين. 

وقد شهدت فترة العشرينات من القرن الماضى تصاعدا غير مسبوق فى النزعة العصبية الهندوسية، إثر قيام ناشطين مسلمين باغتيال زعيم هندوسى متعصب فى ١٩٢٥م، فاندلعت اشتباكات طائفية بين الهندوس والمسلمين لم تشهد الهند مثيلاً لها من قبل، ووصلت لحد هجوم الصحف الهندوسية والقومية الهندية على الإسلام كدين، واصفة إياه بأنه دين يدعو إلى العنف، مما دفع المودودى لنشر كتابه الشهير «الجهاد فى الإسلام»، الذى أسس لموقعه الفكرى بين المسلمين فى الهند، ومع تعمق قناعات المودودى الإسلامية واتساع المسافة الفاصلة بينه وبين الأجواء القومية الهندية فى دلهى، غادر للإقامة فى «حيدر آباد»، آخر الإمارات الإسلامية فى الهند البريطانية. 
وفى حيدر آباد، أخذ المودودى يكرس وقتا أطول للدراسة والبحث، وقد أطلق لحيته وارتدى الزى التقليدى للمسلمين الهنود.

وفى ١٩٣٢م، نشر أبو الأعلى المودودى مجلته «ترجمان قرآن» التى أصبحت قناة التعبير الرئيسية عن أفكاره حتى وفاته، بيد أن المودودى كان يدرك أن الأفكار وحدها لا تكفى لإحداث التغيير، ولذا فقد استجاب فى ١٩٣٨م لدعوة الزعيم والمفكر الإسلامى الكبير محمد إقبال، وتوجه إلى «باتان كوت» فى مقاطعة البنجاب ليترأس «دار السلام التعليمية» التى أسسها إقبال.

كان النصف الثانى من الثلاثينات مرحلة فاصلة فى تاريخ المسلمين فى الهند، فقد خضعت الحكومة البريطانية لتشكيل إدارة هندية محلية بسلطات محدودة، ونظرا لعدم استعداد الرابطة الإسلامية بقيادة «محمد على جناح» التى كانت تمثل المسلمين لهذا التطور فى الحياة السياسية الهندية، فقد فاز حزب المؤتمر فى الانتخابات فوزا ساحقا، مما أهله لتشكيل حكومة وطنية تحت إشراف بريطانى.

كان المؤتمر حزبا علمانيا قوميا، وقد استشعر المسلمون خاصة فى حقل التعليم، خطر الثقافة العلمانية القومية على هوية أبنائهم، وبالرغم من أن السلطات البريطانية بادرت إلى حل الحكومة الوطنية، وفرضت الحكم البريطانى المباشر من جديد عند اندلاع نيران الحرب العالمية الثانية، إلا أن تجربة حكم المؤتمر القصيرة عززت من توجهات الانفصال لدى المسلمين. 

ومنذ نهاية الثلاثينات، سيطر العمل السياسى على نشاطات الدوائر الإسلامية فى الهند، وأصبح سؤال الانفصال هو السؤال المصيرى للمسلمين الذين انقسمت قياداتهم حوله انقساما بينا.


تأسيس الجماعة الإسلامية

بينما كان المودودى يضع حجر الأساس لجماعته، ويبدأ خطواته الأولى لترسيخ الخلافة الإسلامية، قرر تبنى فكرة الإصلاح الشامل لحياة المسلمين على أساس الفهم الصحيح النقى للإسلام، فى محاولة منه لجذب أكبر عدد من مؤيديه.

بعد انفصال باكستان عــن الهند عام ١٩٤٧م، أنشأ حزب الرابطة الإسلامية دولة للمسلمين، كان المودودى بالطبع قد انتقل إلى هذا الجزء من الأرض، حيث أسس مقر الجماعة الإسلامية بها، وفى يناير عام ١٩٤٨م بعد قيام باكستان بنحو خمسة أشهر، بدأ الصراع بين «الجماعة الإسلامية» وحزب الرابطة الإسلامية، فهذا الأخير يريد «باكستان» دولة للمسلمين بينما تريدها «الجماعة الإسلامية» دولة إسلامية وفقا لتصورها الخاص.

انضم المودودى إلى تحرك العلماء الذى طالب بصياغة دستور إسلامى لباكستان، وألقى أول خطاب له فى كلية الحقوق طالب فيه بتشكيل النظام الباكستانى طبقًا للقانون الإسلامى، وظل يلح على الحكومة بهذا المطلب، فألقى خطابًا آخر فى اجتماع عام بـ«كراتشى» فى مارس عام ١٩٤٨م تحت عنوان «المطالبة الإسلامية بالنظام الإسلامى»، ولكنه سرعان ما تعرض للاعتقال على خلفية اتهامه الحكومة بالنفاق، لدعوتها إلى الجهاد ومساندتها المجاهدين الكشميريين، بينما هى تقبل بوقف إطلاق النار مع الهند فى كشمير. 

وبعد اعتقال دام عامين، أفرج عنه تحت ضغوط متزايدة على الحكومة الباكستانية، وما إن أطلق سراحه، حتى بدأ المودودى حملة واسعة للمطالبة بإقالة وزير الخارجية «ظفر الله خان» الذى كان ينتمى للفرقة القاديانية، التى يعتبرها المسلمون فرقة منشقة على الإسلام. 

استمر المودودى فى الدعوة للدستور الإسلامى، معلنا حرمة قسم الجنود والموظفين على الولاء للدولة، ما لم تعلن الدولة التزامها بالإسلام مرجعية للحكم، وكانت تلك المحطة هى بداية بذر «فكر تكفير الدولة» التى بدأ المودودى يلقيها فى كتاباته وأحاديثه العامة، مما أدى الى اعتقاله من جديد وتقديمه للمحاكمة، وصدر بالفعل حكم بإعدامه، لكن الحكم ألغى بقرار من المحكمة العليا فى ١٩٥٥م، وفى العام التالى، صدر الدستور بنص على «إسلامية باكستان»، وهو ما اعتبره المودودى نصرا كبيرا لتيار الأسلمة، معلنا قبوله بالدستور وداعيا إلى إطلاق حملة لأسلمة مؤسسات الدولة وقوانينها. 


بصمات المودودى على الجماعات الدينية المعاصرة:

يعتبر أبو الأعلى المودودى مفكر الدولة الإسلامية الأول، الذى أنشأ حركته «الجماعة الإسلامية» بعد «الإخوان المسلمين» فى مصر بثلاثة عشر عاما تقريبا، ليحرز السبق الأول فى العصر الحديث فى تبنى «تكفير المجتمعات»، ووصفها بالجاهلية، والدعوة إلى «دولة دينية» يحكمها رجال باسم التفويض الإلهى، معلنا رفضه الديمقراطية والعلمانية.
وينفرد المودودى بوصف واقع المسلمين ومجتمعاتهم بالجاهلية، والحكم عليها بالكفر، مرجعا أسباب عودة مجتمعات الإسلام إلى «الجاهلية» إلى رافدين، جاهلية وافدة من الغرب، وجاهلية موروثة بدأت من عهد الخليفة عثمان بن عفان!!
ورغم أن أفكار المودودى نشأت فى ظل الحالة الهندية، التى كان لها ظروفها وإشكالياتها وخصوصيتها البعيدة تماما عن البيئة العربية، إلا أن الجماعات الإسلامية فى العالم العربى تبنت هذا الفكر للمودودى، ونقلته من مجتمع الهند الذى له خصوصيته المكانية والزمانية والعرقية، إلى المجتمع العربى الذى يختلف تماما عن ذلك المجتمع، فصارت الحركات الإسلامية العربية تحكم على المجتمع المسلم أنه «مجتمع جاهلى»، وتدعو إلى «الحاكمية»، وترفض «الديمقراطية»، وتكفر الدولة والمجتمع والأفراد.
ويتسم الفكر الدينى عند المودودى بطابع خاص يجعله ذا بناء محدد، يظهر فى سلوك هذه الجماعات الدينية المعاصرة، ويمكن وصف هذا البناء من خلال نصوص كتاباته على النحو الآتى:
أول الاكتشافات.. الحاكمية لله
تعطى نظرية «الحاكمية لله» تصورا مركزيا للعالم، فالله قمة الكون، خلقه ويحكمه ويسيطر عليه، والأنبياء هم المعلنون عن هذه الحاكمية، ومعهم القادرون على السير على هداهم..
ولما كانت الحاكمية لله، فالاستخلاف لا يكون إلا فى الحاكمية وقد قرر جميع الأنبياء هذه الحاكمية، وهذا الاستخلاف، مؤكدين حقائق ثلاث: 
الأولى: أن السلطة العليا التى على الإنسان أن يخضع لها وبطبعها، ويقر بعبوديته لها، والتى يتأسس على طاعتها النظام الكامل للأخلاق والمجتمع والحضارة، هى سلطة الله وحده، وينبغى التسليم بها وقبولها على هذا الأساس. 
والثانية: حتمية طاعة النبى وحكمه، بوصفه ممثلا ونائبا عن السلطان الأعلى، والحاكم المطلق. 

والثالثة: أن القانون الحكم الذى يقرر التحليل والتحريم فى جميع الميادين، هو قانون الله وحده، الناسخ لكل القوانين البشرية، وليس للعباد حق المساءلة والنقاش فى أحكام الله، فما حرمه الله يكون حراما وما حلله يكون حلالاً، لأنه مالك كل شيء ويفعل ما يشاء. 
وتتضمن الحاكمية، رفض حاكمية البشر وضرورة الثورة عليها، وكأن عصيانها أمر إلهى.
لذلك تتميز «الدولة الإسلامية» بثلاث خصائص: 
الأولى: أنه ليس لفرد أو أسرة أو طبقة أو حزب، أى نصيب من الحاكمية فإن الحاكم الحقيقى هو الله.
والثانية: أنه ليس لأحد من دون الله، شيء من أمر التشريع. 
والثالثة: أن الدولة الإسلامية لا يؤسس بنيانها إلا على ذلك القانون المشرع، الذى جاء به النبى من عند الله، مهما تغيرت الظروف والأحوال، وأن الدولة لا تستحق الطاعة إلا من حيث إنها تحكم بما أنزل الله وتنفذ أوامره فى خلقه.
ويحدد أبو الأعلى المودودى أن «حاكمية البشر»، تتمثل فى ثلاثة نظم: العلمانية، والقومية، والديموقراطية... وهى نظم كلها ترفض الحاكمية لله، وبالتالى تجعل الفرد خاضعا لشهواته ورغباته، وتجعل المجتمع خاضعا لأهوائه ومصالحه، وفى غياب حاكمية الله لا يوجد مكان إلا للشيطان الذى يبشر بالإلحاد والعنف.
ويبدأ المودودى فى وضع صورة لتشكيل الدولة، وفق تلك النظريات السابقة، فيتحدث بأن الدولة الإسلامية إذن ليست «دولة ثيوقراطية» لأنها ليست دولة رجال الدين، وليست «دولة ديموقراطية» لأن الحكم ليس للشعب، ولكنها «دولة ثيوديموقراطية» الحاكمية فيها لله طبقا لاختيار الشعب.

الجمود سيد العقل

أهم كتاب للمودودى هو «ترجمان القرآن»، الذى يشابه «فى ظلال القرآن» لسيد قطب، وهو تفسير شامل للقرآن سورة سورة، وآية آية حتى يتم الكشف عن التنزيل دون تأويل، أو جمع للموضوعات المتفرقة وعرضها فى نسق محكم، وخطورة منهج التنزيل أى استنباط الأحكام الإلهية مباشرة من القرآن دون اعتماد على العقل أو المشاهدة هو:
أولا: إخراج الكلم عن مواضعه واستعماله فى غير ما أنزل فيه، وتأويله على غير معناه، ومن ثم تنتهى الحرفية إلى عكسها، أى التأويل بلا شاهد حسى أو دليل عقلى.
ثانيا: أخذ بعض الكلام وترك البعض الآخر، وانتقاء الآيات التى تشير إلى الحاكمية لله، وترك الآيات الأخرى التى تشير إلى وضعية الشريعة، حتى تتفق الحاكمية مع التنزيل.
ثالثا: عدم إعمال العقل والإثبات بالبرهان، والاعتماد على سلطة النص وحدها، وبالتالى استحالة مخاطبة غير المؤمنين، كما استحال الحوار بالعقل حول معانى النصوص، فالنصوص ليست موضوعا للحوار بل موضوع للتنفيذ. 
رابعا: استحالة المعارضة العقلية لسلطة النص، وإيجاد التفسيرات المغايرة التى تقوم على الدليل العقلى والشاهد الحسى. 
خامسا: تحويل الشاهد إلى تعصب وقوة واقتناع، لا يتزحزح عنه حتى ولو كانت أمامه عشرات البراهين العقلية المضادة، حتى تحول الحوار إلى جدل انفعالى يقوم على مقدمات نفسية مسبقة، ويقوى ذلك فى مجتمعاتنا أننا ما زلنا نعيش مرحلة النقل، والاعتماد على سلطة الموروث، واستمرار استشهادنا فى حياتنا العامة بأقوال القادة والحكام وكتابات أولى الأمر وخطبهم. 

الجاهلية والإيمان.. صراع أبدى

يضع أبو الأعلى المودودى فى كتاباته الكثيرة دائما ثنائية متعارضة متصارعة، بين النقيضين: الخير والشر، الحق والباطل، الصواب والخطأ، الهداية والضلال، الإيمان والكفر، الإسلام والجاهلية، الإسلام والغرب، أو صور فنية متناقضة مثل الملاك والشيطان، الجنة والنار. 
ولا سبيل لديه إلى إيجاد حل وسط بين هذين الطرفين المتصارعين، أو الانتقال من أحدهما إلى الآخر عن طريق التوسط والتدرج، فالخير مطلق، والشر مطلق، والحق مطلق، والباطل مطلق، ولا مكان عنده للمواقف النسبية أو الشك أو الظن أو التردد، وهى ثنائية تحدد العلاقة من جديد بين حاكمية الله وحاكمية البشر، وتضعها كسيف صارم بين الحكومة الدينية والحكومة اللا دينية على مستوى العمل والممارسة.

الانقلاب.. طريق الفردوس 

يؤسس المودودى بشكل صريح عبر معظم كتاباته، أن حسم الصراع بين الثنائية المتعارضة لا تتم إلا عن طريق منهج الانقلاب، وفى اللغة الفارسية يعنى لفظ «انقلاب» ثورة، وكأن الثورة لا تكون إلا انقلابا، وكأن الانقلاب هو الطريق الحتمى للثورة، وهذا المفهوم هو المنهج السائد أيضاً بصورة واسعة فى التراث الأسيوى بشكل عام، وهو نفس المنهج الذى عبر عنه جمال الدين الأفغانى قبل المودودى بأن التغيير الاجتماعى لن يتحقق إلا عن طريق الانقلاب على السلطة السياسية، وهذا النهج هو الغالب أيضا على التراث الشيعى.
وجاء الفكر الذى وضعه المودودى برفض طريق التدرج والإصلاح، أو أى شكل من أشكال النهج الديمقراطى لإحداث الانقلاب، فهو كتب فى مؤلفاته وفى أدبيات «الجماعة الإسلامية» أن كل محاولات الإصلاح، عن طريق التدرج وبالنهج الديمقراطى هى محض وهم وخداع، وأماني معسولة لخداع الشعوب فى أى مكان بالعالم الإسلامى، ينتشر تبنيها سواء من العلمانيين أو المسلمين الجاهليين.
وقد فسر أبو الأعلى هذا الانقلاب المنشود بأنه هو الجهاد، وهو «السعى المتواصل والكفاح المستمر فى سبيل إقامة نظام الحق»، وهو الركن السادس من أركان الإسلام دون الإعلان عنه. 
كما يؤكد المودودى أن حزب الانقلاب، هو الوحيد المرشح لأخذ السلطة من أجل القضاء على الفساد، ويفصل المودودى هذا البرنامج فى نقاط أربع:
الأولى: تطهير الأفكار، وتعهدها بالغرس والتنمية، ومن هنا كان اهتمام المودودى منذ البدايات وطوال مسيرة عمله التنظيمى، بالتعليم والتربية وتطهير الثقافة.
الثانية: استخلاص الأفراد الصالحين، وجمعهم فى نظام واحد وتربيتهم من أجل تكوين الزعامة من الصفوة المختارة. 
الثالثة: السعى فى الإصلاح الاجتماعى الشامل، فى الدين والدنيا دون اكتفاء بالوعظ والإرشاد.
الرابعة: إصلاح الحكم والإدارة، لأن تغيير نظام الحكم هو السبيل لمنع الفساد فى الأرض بمختلف صوره.
ويرى أبو الأعلى أن الانقلاب يحدث عن طريق تكوين جماعة من الصفوة تقوم بالانقلاب.

السمع والطاعة.. عمود المنهج 

الركن الركين بالطبع لما أسس له أبو الأعلى المودودى هو «السمع والطاعة»، فهما أرضية استيعاب المنهج والعمل عليه، لذلك أصل لهذا الأمر بتوجه يحدد بأن الدين هو الإيمان والتسليم بمعطياته، دون إعمال لعقل أو إقامة لبرهان على صحة هذا الإيمان، أو حتى أى مضمون اجتماعى له، والإيمان لديه أكثر عاطفة وانفعالا وأقل عقلا وبرهانا، لذلك غاب الحوار وانعدم النقاش، وزادت الحمية الدينية الشكلية، وانقلبت إلى تعصب وهوس تغلف كل شيء.

مجتمع ظاهره التقوى وباطنه الفساد

الشكل والصورة الأبرز بالطبع هى الحجاب والستار والمحرم، كعلامات مميزة للجماعات الدينية تخصها.
لذلك تظهر مسألة الحجاب، وكأنها مسألة جوهرية فى الإسلام، وفى تنظيم الجماعات الدينية، وتبدو مسائل الجنس والزواج وغض الطرف وعدم لمس يد النساء، والهجوم على حفلات التعارف والرحلات والجلوس المشترك للطلبة والطالبات فى الجامعات، كل ذلك فتنة وشبهات، فالإنسان حيوان مملوء بالرغبات والشهوات والغرائز التى يجب كبح جماحها.
ومن مظاهر التزمت الدينى، ما يذكره المودودى باستمرار عن أهل الأديان الأخرى غير الإسلام وحقوقهم فى الدولة الإسلامية، والبداية بتقسيم مواطنى الدولة الواحدة إلى مسلمين وذميين مما يثير الضغائن والأحقاد، ويبعث على الطائفية والفتن.
ومن مظاهر التزمت الدينى أيضا الهجوم على حركة تحديد النسل.. 
والأغرب من ذلك كله هو تأكيد المودودى على الملكية الخاصة فى الإسلام، ورفضه جميع أنواع الاشتراك فى فلاحة الأرض مثل المزارعة، وكذلك وقوفه أمام الإصلاح الزراعى ونفيه التام لإمكانية التوجه للتأميم والمساواة فى توزيع الثروة!

وفاة أبو الأعلى المودودى:


فى أبريل ١٩٧٩م ساءت حالة أبو الأعلى الصحية فسافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتلقى العلاج، حيث كان ابنه الثانى يعمل طبيباً! وتوفى يوم ٢٢ سبتمبر ١٩٧٩م بعد عدة عمليات جراحية.
ولم يعلم المودودى أنه سيجيء من بعده أجيال جديدة، تتعامل مع كتاباته ومنهجه الفكرى وكأنه النصوص المقدسة، التى لا تقبل لا تأويل ولا تفنيد.

في الحلقة القادمة.. حسن البنا النبي المزيف ومفتي الاغتيالات السياسية