الخميس 06 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

وجهة نظر في سيكولوجية الفلاح المصري (4-3)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ترى هل صحيح أن "رفض الجديد" سمة سيكلوجية تميز الفلاح المصرى"؟
تعد فكرة رفض الفلاح المصرى للجديد من أهم الأفكار التى ينبغى علينا التوقف أمامها ومناقشتها، وينبغى أن نشير أولا إلى أن تلك الفكرة إنما هى فى الأساس رافد لفكرة أشمل مؤداها أن الإنسان بطبعه يرفض الجديد ويعزف عنه ويطمئن إلى القديم ويتمسك به، وهى فكرة لابد من مناقشتها أولا قبل التعرض لتطبيقاتها على الفلاح المصرى.
صحيح أن الجديد في العلم- وكما يعلمنا درس التاريخ- كان وما زال يواجه برفض وهجوم ولكن من الصحيح كذلك- وكما يعلمنا درس التاريخ أيضا- أن جديد الأمس هو قديم اليوم وأن جديد اليوم هو قديم الغد- العلاقة بين القديم والجديد إذن علاقة ديناميكية متحركة وليست بالعلاقة الاستاتيكية الجامدة، وتلك هى سنة التطور.
ورغم ذلك فهل صحيح أن الفلاحين يرفضون الجديد أيا كان ويتمسكون بالقديم بكافة صوره ؟ صحيح أن الفلاح قاوم وما زال يقاوم فكرة تحديد النسل، ولكن نفس هذا الفلاح لم يرفض ولم يقاوم إدخال ماكينات المياه الآلية فى الرى، بل لعله يسعى إلى تعميم الاستفادة منها لو استطاع، صحيح أن الفلاح قد يحجم عن التعامل مع البنوك، ولكن نفس الفلاح لايحجم بنفس الدرجة عن التعامل مع المستشفيات، صحيح أن الفلاح قد يرفض تصميما حديثا لبيته، ولكنه لايرفض على الإطلاق دخول الكهرباء إلى قريته، ولا يتردد في شراء "الترانزستور" إذا ما استطاع تدبير ثمنه، كل ذلك بصدق بطبيعة الحال على غالبية الفلاحين وليس ضروريا ولا متصورا أن ينطبق ما نقول على الفلاحين جميعا فردا فردا،  فالأفراد سواء أكانوا حضريين أو قرويين لا يتخذون جميعا موقفا موحدا من الجديد.
خلاصة القول إن ما أوردناه - مجرد أمثلة تؤكد أن الفلاح المصرى لا يرفض الجديد أيا كان ولا يتمسك بالقديم بكافة صوره  - شأنه شأن غيره- يرفض ما لا يراه مناسبا له، أو مالا يقتنع به، ويقبل مايرى فيه فائدة له، ويبقى فى النهاية مجال للاختلاف بين ما نراه نحن مفيدا له ويراه هو مضرا به، وليس حتما أن تكون وجهة نظرنا نحن أبناء المدينة صحيحة تماما وبصورة مطلقة.
هل صحيح أن الفلاح المصرى ملتصق بالأرض لا يود أن يبرحها أيا كانت الأحوال والظروف؟
لقد طال ترديدنا لفكرة أن الفلاح المصرى ملتصق بالأرض لا يستطيع أن يبرحها أو أن يبتعد عنها حتى ولو إلى حيث يجد رزقا أوفر وظروفا أكثر تقدما، الفلاح المصرى إذن ينزح من أرضه إلى المدينة طلبا للرزق وسعيا إلى التحضر بل أن قرى كاملة فى صعيد مصر على وجه الخصوص يكاد يتخصص رجالها فى أعمال معينة يمارسونها في القاهرة كتجارة الأسماك وتجارة الفواكه وأعمال البناء، وحتى لو تركنا جانبا ظاهرة الهجرة إلى المدن فيكفى أن نتأمل ظاهرة أخرى أكثر وضوحا، أعنى ظاهرة عمال التراحيل، أنهم فلاحون فرضت عليهم ظروفهم عملا يقتضيهم تنقلا دائما يحول بينهم وبين الارتباط بالأرض.
والقضية فيما نرى ليست التصاق الفلاح بالأرض كشىء مطلق، ولعلنا لو عدلنا من صيغة طرح هذه القضية لتصبح قضية التصاق الفلاح بأرضه أى بالأرض التى يمتلكها، لأصبح الأمر منطقيا مقنعا، فليس من المتصور أن يقدم فلاح مالك لقطعة أرض صغيرة تكفيه على تركها والنزوح إلى القاهرة مثلا، أنه فى هذه الحالة يلتصق بالفعل بقطعة أرضه هذه، أما اذا لم يكن مالكا بصورة أو بأخرى لقطعة الأرض فأن الأمر لا يصبح التصاقا بحال قد يحن إلى المكان الذى نشأ فيه ويشتاق إليه ولا شىء بعد ذلك، وشتان بين الحنين إلى الأرض والالتصاق بها.