رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أم الشهيد وأرملته وخطيبته وأولاده

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
آلاف المصريين والمصريات انكسرت قلوبهم بشكل مباشر بعد مكالمة خاطفة من قيادة الجيش أو الشرطة تنعي لهم استشهاد بطلهم، وفي صمت مؤلم تحركت تلك الأسر للجنازات يودعون صندوقا خشبيا يرقد بداخله ابنهم الغالي جسدا ساكنا إلى الأبد بفعل رصاصات الإرهاب الغادرة.
الأمهات اللواتي ذهبن للجنازات على عجلات متحركة وزرفن الدمع هن الخالدات في سجل المقاومة الباسلة التي تعيشها مصر الآن في مواجهة الإرهاب المتأسلم والمدعوم دولياً، أما الصبايا الماجدات وقد ترملن في مقتبل العمر، فلا تكفي عشرات الكتب لتحكي قصص الفراق المؤلم وانكسار الروح وموت الحلم، غابت تلك القصص عن نخبتنا السياسية وعن إعلامنا المتفرغ للصراخ وللدعاية الفجة، إعلامنا الذي ندفع رواتب العاملين فيه من ضرائبنا غاب عن جوهر المشهد وقدم شهادة سقوطه وبرهن على فشله، ليعيش أبناء الشهداء في صمت القبر مع آبائهم.
أم الشهيد الفلاحة التي زغردت عندما لمحت ابنها ملفوفاً في علم مصر، لم تقرأ ثلاثية نجيب محفوظ، ولا تعرف ما كتبه جيمس هنري برستد عن فجر الضمير التي هي مصر بجدارتها التاريخية، الفلاحة المصرية التي قدمت ابنها الجندي مجندا للدفاع عن الوطن هي الضمير ذاته، وليست في حاجة لمراجع ثقافية لتعرف كيف تتصرف، الأمهات في بلادنا لم يخرجن في برامج التوك شو ليبعن دماء أبنائهن، بكل كبرياء وإيمان بالله والوطن استقبلوا الجثامين وزغردن وزفوا عريسهم إلى الجنة وعدن إلى بيوتهن يبصرون الأمل بمستقبل مشرق لهذه البلاد وينتظرون يوم انتصار الوطن على الإرهابيين، نتابعهم من على بعد في زاوية الصورة ونسأل متى تتصدر أم الشهيد وأرملته وخطيبته وأولاده واجهة الصورة، لنقول إن بلادنا بها عدالة إنسانية، عدالة قادرة على فرز الغث من الثمين، قادرة على بث الروح المشرقة التي تليق بمصر وأبنائها المخلصين أصحاب التضحيات الحقيقية، متى تتوارى الوجوه الكالحة التي رقصت وطبلت لكل العصور وما تزال تمارس انتقائية، أقل ما توصف به أها لا إنسانية، عند اختيار من يبكون عليهم من قتلى الوطن.
في ظني لو تغيرت الوجوة نحو الأصدق لنجحت الثورة واطمأن الناس وعم الأمن، ولكن الفهلوة التي هي من أسوأ الخصال مازالت سيدة الموقف، نهرب من الشاشات المصرية لتتلقفنا الشاشات المعادية باحترافية عالية، فيزداد حزننا على انعدام الكفاءة في بلادي، وعلى منهجية الفساد الضارب بجذورة في عمق المؤسسات.
في تفجيرات الخسة الأخيرة بشمال سيناء رأينا الشهداء موزعين على مختلف محافظات مصر، ورأينا في بورسعيد الدموع في عيني وردتين هما ابنتا العميد الشهيد ورأينا الأم المصرية في الدلتا تحتضن العلم المصري وهي تستقبل ابنها المجند الشهيد، ورأينا العروس التي لم ينقض على زفافها شهور تراجع آخر رسائل زوجها الشاب، تلك بطولات كبرى ولكن أكثر الناس لا يعلمون، أهالي الشهداء يكتبون لنا سجل الانتصارات الحقيقية بينما الغارقون في أضواء العاصمة وأمجاد الشهرة على جثث الموتي مشغولون بتغيير لون ربطة العنق مع كل لقاء تليفزيوني ساذج.
من عيون الأمهات والزوجات الطيبة نستمد عزيمتنا وصبرنا على البلاء، ومن إحساسهن الصادق نتحمل تأخير إعلان الانتصار الحاسم على الإرهاب، فما قدمناه نحن أهل الكتابة والمقالات يتوارى خجلاً أمام عظمة أمهات الشهداء وهو ما يجعلنا نقول لا حقوق لنا، فالحق كل الحق هناك يسكن بجوار العين الدامعة التي لن ترى عزيزها لأنه استشهد دفاعاً عن الجميع.
لكل المنسيات في المعارك الوهمية على الفضائيات والفيس بوك .. لأرواحكن العظيمة المجد والخلود.. ولنا الصبر والسلوان.