رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ليس هكذا تكون محاربة داعش وأخواته!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تتفاوت ردودُ الأفعال الغربية حول الجريمة الواحدة التى تقترفها نفسُ الجماعة الإرهابية، وذلك بحسب إذا حدثت الواقعة لديهم أو لدينا! بل إن موقفهم من الجماعة الواحدة يختلف أيضاً بحسب منطقة نشاطها، هناك أو هنا! وهو ما يثير عدداً من علامات الاستفهام والتعجب الكبيرة! أنظر، مثلاً، إلى موقفهم الحاسم الذى حرصوا على إعلانه بعد العملية الإرهابية فى باريس التى راح ضحيتها 12 صحفياً ورساماً فى مجلة شارلى إيبدو، ثم إقامة تظاهرة دولية مهيبة شارك فيها ممثلون عن كل دول العالم. الإدانة واضحة لا لبس فيها والموقف المبدئى صريح بلا مواربة، وليس هنالك أدنى إيحاء بتبرير الجريمة ولا تفسيرها بما يخفف من وقعها. وكذلك جريمة ذبح داعش للرهينتين اليابانيتين، واحداً بعد الآخر، التى حرصوا على إدانتها بأقوى الكلمات وأكثرها تأثيراً. وكل هذا إيجابى ومطلوب فى إطار التصدى للإرهاب المسلح الذى يتساهل فى هدر الحياة فى نزاعات لا يمكن تقبل أن يُرفع فيها سلاح.
ثم قارِن هذا بما يصدر منهم بعد العمليات الإرهابية التى تضرب مصر، والتى هى أكثر دموية بما لا يقارَن وعدد الضحايا فيها أكثر بكثير، كما أن مجرميها هم ذات المجرمين، وهى جرائم متوالية منذ الإطاحة بحكم الإخوان وحلفائهم والتى كان آخرها مجزرة سيناء التى راح فيها نحو 40 من خيرة شباب القوات المسلحة، إضافة إلى عشرات الجرحى فيهم حالات حرجة، فلا يصدر من الغرب سوى البيانات الفاترة المكتوبة بحرص دبلوماسى يراعى ألا يتجاوز تسجيل الموقف الذى هو ملتبس فى أصله! ولا مانع لدى أمريكا أن يتزامن هذا البيان مع استضافتها لوفد إخوانى، بالرغم من أن بصمات الإخوان واضحة فى عملية سيناء وفى غيرها، وهو ما لا يَخفى عن إدراك عموم الناس، فما بالك بعيون أجهزة الاستخبارات الأمريكية المتعددة المنتشرة فى الإقليم وعبر العالم!
ثم تابِع إجراءاتهم فى حماية بلادهم من اختراق تنظيم داعش وأمثاله، وتصديهم لعمليات التجنيد فى صفوف مواطنيهم لصالح التنظيمات الإسلامية المسلحة المختلفة، وتجهيزهم للتشريعات اللازمة لمواجهة هذه الجرائم، دون أن يكترثوا لأى نقد يُوجَّه إليهم بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان أو غيرها، على نقيض ما يتعمدون أن يزجوا به فى تفاصيل البيانات التى يصدرونها وينتقدون فيها الإجراءات المتبعة فى بلادنا، برغم أنه ليس لدينا قوانين جنائية صدرت فى القرن الرابع عشر، مثلما أحيت بريطانيا العمل بقوانين العصور الوسطى، وليس لدينا نظاماً يقرّ أن يعتد القضاء بأدلة سرية لا يجرى تداولها فى المحاكمة، كما أعلنت أمريكا أنها ستعمل به منذ لاحت بوادر ظاهرة الإرهاب قبل سنوات!
لا يعنى هذا أن أوضاعنا القانونية والإجرائية على خير ما يُرام، ولا أنها ليست فى حاجة لإصلاحات كبيرة لتتسق مع تطلعات الشعب وتضحياته، ولكنه يعنى أن سياسات الغرب لمناهضة الإرهاب فى بلادهم تسعى إلى أن تتخفف من قيود ضمانات الحريات الراسخة منذ زمن، بل إن الجدل العلنى يسود فى أوساطهم الأمنية والثقافية والسياسية والمعنية بحقوق الإنسان وبمشاركة الرأى العام حول كيف يحققون التوازن لديهم بين هذه الحريات التى يستهدفون الإبقاء على روحها ومضمونها، وبين الأمن المأمول الذى يقول بعض خبرائهم إن من شروط تحقيقه أن يقبل المجتمع أن يتنازل عن بعض هذه الحريات، ليسهُل على أجهزة الأمن أن تردع المجرمين عن إتيان الجريمة، كما يتيسر لهذه الأجهزة أن تتوصل للمجرمين فى حال وقوع الجريمة.
ومن التناقضات الهائلة أنهم بينما يرسمون الخطط المُحْكَمة للتضييق على داعش وغيره فى بلادهم، إذا بهم يعملون كلَّ ما من شأنه أن يُعزِّز من وضعية هؤلاء فى بلادنا، ويزيد من قوتهم! فبعد المعلومات التى تسربت قبل شهور وجرى تداولها فى الصحف الإقليمية والعالمية عن تبنيهم لزعيم داعش وتدريبه وبرمجته، وبعد سكوتهم على تمدد التنظيم فى الإقليم وتكوينه لدولة وهمية وإعلانه للخلافة، تركوا الأسئلة تخبط الرءوس عمن وفر لإرهابيى داعش أن يستولوا على آبار البترول، وهى سلعة لا يمكن تداولها إلا تحت إشراف دولة تحظى برعاية كافية، ثم أن يستمروا فى استخراجه ولكن لحسابهم وحساب تنظيمهم، ثم أن يضخوه فى الأنابيب عبر آلاف الكيلومترات حتى يصل إلى تركيا، ثم يبيعوه ويتحصلوا على قيمة البيع!
البعض يُقدِّر دخل داعش من البترول فقط بنحو 3 ملايين دولار يومياً! فهل تُدفَع هذه الأموال فى "زكايب"، أم عبر قنوات مصرفية؟ وهل يعجز النظام العالمى الجديد عن اقتفاء مسار هذه الأموال من مصدر دفعها إلى حيث جيب داعش؟
ثم، لقد رصدت تقارير منشورة أن ناقلات البترول المحملة ببضاعة داعش تخرج من أحد الموانئ التركية، ثم، فجأة ودون إنذار أو تفسير، ينقطع اتصالها لمدة  48 ساعة بالأقمار الصناعية التى ترصد حركاتها، وفق عقود شركات التأمين، ثم تظهر فجأة أمام ساحل حيفا بعد أن تكون أفرغت حمولتها، وهذا يعنى شيئاً واحداً: أن إسرائيل هى التى تحصلت على البترول!
وكل هذا يفسر السكوت الغربى عن خط الإنتاج بالكامل!
واضح أن تركيا حلقة مهمة فى هذه العملية، وهى عضو فى حلف الناتو، وتسعى للالتحاق بالاتحاد الأوروبى، بما يعنى أنها لا يمكن لها أن تقوم بهذه المهمة إلا أن تكون فى حلقة ضمن حلقات جرى تفصيلها فى مطبخ تقوده أمريكا! وهذا كله يثير الشبهات القوية على ما يُسمى بالتحالف الدولى لمحاربة داعش!
واضح أن الاتفاق الأساسى مع قيادة داعش بعيد عن إدراك ومعلومات الكوادر والقواعد، الذين يعيشون أوهام أنهم يشاركون فى إقامة الخلافة لتطبيق شرع الله، وهو ما يجعل الاتفاق على أسس يترتب عليها بعض الخروقات، بما يترتب عليه أن يتوجه بعض هؤلاء ببعض العمليات ضد الغرب عملاً بالثقافة القديمة التى لا تزال سائدة لدى هذه التنظيمات، ويبدو أن هذه العمليات فى حدودها حتى الآن تفيد اليمين فى الغرب الكاره للعرب والمسلمين، لأنها تساعدهم على إذكاء كراهية جماهيرهم ضد العرب والمسلمين، وعلى وضع المزيد من القيود على الانتقال لبلادهم، وقد اتُخِذَت هذه القرارات بعد أيام من جريمة شارلى إيبدو بما يُستَنتَج منه أنها كانت جاهزة فى انتظار أول فرصة!
وأما المكسب الكبير الذى يجنيه الغرب من تمكين داعش، فهو الدور التخريبى الذى يقوم به هذا التنظيم ضد أى تقدم يمكن أن يتحقق فى هذه المنطقة من العالم، وهو ما يجيده داعش بامتياز! وهذا أيضاً من مكاسب إسرائيل!
لذلك، فلا يمكن تصديق أن للغرب أى نية أصيلة ولا خطط موضوعة لمحاربة داعش حرباً حقيقية، بما يلقى على كاهل المتضررين أن يلجأوا لسبل أخرى.