الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

عبد الرحيم علي يكتب: الانتهازيون الإخوان.. والصعود نحو الهاوية "الحلقة التاسعة"

الدكتور عبد الرحيم
الدكتور عبد الرحيم علي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

صراع الإخوان والجماعات الإسلامية على "كعكة الجامعات"

وصل الأمر عام ١٩٧٧ إلى حد فوز كوادر الجماعة الإسلامية في ثمانى جامعات مصرية بإجمالى عضوية الاتحادات الطلابية من أصل اثنتى عشرة جامعة، كما يوضح المهندس أبو العلا ماضى في محضر نقاش أجريناه معه عام ٢٠٠٠، مضيفا أن الجماعة فازت في الجامعات الأربع الأخرى بنصف المقاعد.

كانت مرحلة الاتحادات الطلابية أهم مرحلة من مراحل نمو الجماعة الإسلامية، حيث حدث فيها - كما يقول أبو العلا ماضي- انتشار واسع جدا، وبدأت الجماعة تستخدم أسلوبا جديدا في العمل مع الطلبة كتوزيع الحاسبات الرقمية بأسعار رمزية وشراء وسائل المواصلات الرخيصة مثل الدراجات والضغط على الجامعات لإحضار وسائل لنقل الطلاب من خارج الجامعة وتقديم وجبات بسعر رمزى للطلبة.

ووصل الأمر- كما يؤكد ماضي- إلى التدخل لإنصاف طالب ظلم في نتيجة امتحان بأن يتم إعادة التصحيح وتخرج النتيجة لصالحه، كل هذا ساعد في التفاف الطلاب حول الجماعة الإسلامية، هذا التنظيم الذي ساعدته ظروف كثيرة في النمو، ليست كلها من تدبير وصناعة السادات، فقد استطاعت هذه الجماعات وبذكاء أن يتوحدوا في بعض القضايا القومية مع وجدان الناس في الشارع، فكانت مواقفهم العنيفة ضد وجود شاه إيران في مصر ورفضهم زيارة السادات للقدس، كذا وقوفهم ضد اتفاقية السلام مع العدو الصهيوني.


التلمسانى يخدع السادات ويجند شباب الجماعة الإسلامية:

يقدم عبدالمنعم أبو الفتوح، في محضر نقاش أجريناه معه، شهادة مهمة حول بداية وكيفية ارتباط شباب الجماعة الإسلامية آنذاك بالإخوان، مشيرا إلى أنه لا يستطيع أن يذكر تاريخا محددا باليوم والساعة لمثل هذا الارتباط التنظيمي، ولكنه يضيف «لقد بدأ الارتباط بمجموعة قليلة لا تزيد على أصابع اليد الواحدة كانت تربطهم علاقة مودة بعدد من قادة الإخوان في مقدمتهم الأستاذ عمر التلمسانى والدكتور أحمد الملط والأستاذ مصطفى مشهور»، ويضيف «بدأ الأستاذ التلمسانى يدعونا للقائه والحديث معه وظلت هذه اللقاءات مستمرة حتى أصبحنا بشكل عملى جزءا من حركة الجماعة في نهاية عام ١٩٧٤ مطلع عام ١٩٧٥».

بالطبع لم تكن الحكومة التي أبرمت صفقة مع الجماعة حول مواجهة التيار اليسارى في الجماعات تدرى شيئا عن هذا النشاط التجنيدى الذي يقوم به قادة الإخوان وفى مقدمتهم الرجل العاقل عمر التلمسانى.

وحول المعلومات التي تؤرخ لبداية الانخراط الفعلى لكوادر الجماعة الإسلامية داخل الأطر التنظيمية للإخوان بأواخر عام ١٩٧٩، قال أبوالفتوح: «هذا صحيح إذا كنت تتحدث عن المجاميع ولكن الرءوس كما قلت انضموا في نهايات عام ١٩٧٤ وكنت واحدا منهم، ولكننا كتمنا هذا الموضوع طوال سنوات عدة خشية أن نواجه بعنف من قبل النظام الذي فتح الطريق بالفعل أمام قادة الإخوان للعمل، لكنه ليس على استعداد لأن يكتشف أن الجماعة الإسلامية المنتشرة في جميع جامعات مصر، والتي كان السادات قد أعطاها الحرية الكاملة لتصنع توازنا سياسيا مع اليساريين داخل الجامعة قد أصبحوا أعضاء في جماعة الإخوان التي كان يعتبرها السادات وكانوا هم يعتبرون أنفسهم بديلا شرعيا للسلطة».

وعدنا لنسأل: متى تم الإعلان عن ذلك؟ أجاب القيادى الإخوانى: لم يتم الإعلان، وإنما تسربت هذه الأخبار في أوائل عام ١٩٧٩ وغضب البعض من إخواننا غضبا شديدا، ولكننا استطعنا إصلاح ذات البين مع بعضهم لا سيما في القاهرة والوجه البحري، ولكننا لم نستطع إصلاحه مع الآخرين في وجه قبلى إلا مع عدد قليل منهم أبو العلا ماضى ومحيى الدين أحمد عيسى وآخرون، ولكن ظلت مجموعة كرم زهدى وناجح إبراهيم على موقفها الرافض تماما لفكرة دخول الإخوان باعتبار أن الجماعة على حد تعبيرهم تركت فريضة الجهاد وهادنت السلطة.


تحولات أساسية

يأتى عام ١٩٧٩ ليحمل عدة تحولات أساسية داخل التيار الإسلامى الشبابى في مصر:

أولها: قرار الجماعة الإسلامية بتوحيد صفوفها واختيار أمير عام لها هو حلمى الجزار.

ثانيها: ظهور معارضة الجماعة لتصرفات السادات، خاصة معاهدة الصلح، وما نتج عن ذلك من اعتقال عدد كبير منهم.

ثالثها: محاولات الإخوان تجنيد أبرز أعضاء هذه الجماعة في محاولة لضم هذا التكتل البشرى الشبابى الضخم إلى صفوف الإخوان.

رابعها: بحث بعض قادة الجماعة الإسلامية عن دور خارج الجامعة، خاصة بعد التخرج.

خامسها: ميلاد فكرة العنف داخل بعض أوساط هذه الجماعة، خاصة في المنيا وأسيوط على يد كرم زهدى وناجح إبراهيم.

وللأمانة فقد فطن «السادات» إلى كل هذه التحولات مؤخرا وحاول عن طريق توفيق عويضة أن يؤسس جماعة أخرى لضرب الجماعة الإسلامية داخل الجامعات لكنه لم يفلح، حيث يقول محمود جامع في المصدر السابق نفسه: "وعندما أدرك السادات الخطورة الحقيقية لتلك الجماعات كانت الأمور قد أفلتت من يده، فالجماعات تعددت ولجأت إلى السرية وهناك من يعرفون وهم قليلون أن السادات حاول في أواخر أيامه اتباع التكتيك ذاته الذي اتبعه حين أنشأ الجماعات الإسلامية، فأتى بتوفيق عويضة الذي كان قد فصل بحكم قضائى من أمانة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية -وقت أن كان الشيخ الشعراوى وزيرا للأوقاف- أتى به السادات ليعينه مستشارا لرئيس الجمهورية للشئون الإسلامية، وطلب منه تكوين جماعات لضرب الجماعة الإسلامية، وبدأت معسكرات أبى بكر الصديق الصيفية لطلاب الجامعات والتي كان ينفق عليها من ميزانية خاصة تحت إشراف محمد توفيق عويضة، وأخذ السادات يحرص على زيارة تلك المعسكرات والالتقاء بشبابها، كما أخذ يغدق عليهم، إلا أن تلك الطريقة لم تكن لها أي فائدة".


استقطاب

وعلى الرغم من أهمية التحولات الخمسة التي حدثت عام ١٩٧٩ فإن أبرزها كان محاولة الإخوان الناجحة لضم كوادر الجماعة الإسلامية البارزين إليها، وقد بدأ الإخوان بذكاء في استقطاب مجموعة من القيادات التي تحظى بحب وتقدير مجموعات كبيرة من أعضاء الجماعة الإسلامية، فكان أن انضم إلى جماعة الإخوان- كما يروى أبو العلا ماضي- بين ١٢ و١٥ قياديا بالجماعة على رأسهم عبدالمنعم أبو الفتوح وعصام العريان وخيرت الشاطر وأنور شحاتة ومحيى الدين أحمد عيسى وأبو العلا ماضي، ولقد ساعد دخول هذه العناصر في انضمام أعداد كبيرة أخرى من أعضاء الجماعة الإسلامية إلى «الإخوان»، وهذا ما أثار حفيظة بعض كوادر الجماعة وعلى رأسهم كرم زهدى وفؤاد الدواليبى وأسامة حافظ وعاصم عبدالماجد وناجح إبراهيم وعلى الدينارى وطلعت فؤاد قاسم، وآخرون ساءهم خيانة رفاقهم لهم ودخولهم في التنظيم الذي طالما رفضوا الانضمام له تحت دعوى أنه تنظيم مسالم وممالئ للسلطة وفقد شرعيته عندما تخلى عن «جهازه الخاص» وقبل العمل الشرعي -من وجهة نظرهم. وهنا يجب التأكيد ومن منطلق الإنصاف والنزاهة البحثية على أن خلافات كبرى وقعت بين الفريقين، الفريق الذي انضم للإخوان، والفريق الذي ظل يحمل اسم الجماعة الإسلامية، مضافا إليها تعبير «نحو فهم سلفى» لتمييزها عن الجماعة الإسلامية التي تحمل شعار الإخوان «المصحف وسط السيفين المتقاطعين»، ووصل الخلاف حد اقتسام المساجد في المحافظات، خاصة في المنيا وأسيوط والدخول في معارك دموية بالجنازير والأسلحة البيضاء حول من يؤم صلاة العيد التي كانت تتم عادة في الخلاء، حتى تم الاتفاق على أن يؤمها أحد مشايخ الجمعية الشرعية حسمًا للخلاف. وقد كان لنجاح تجربة الجماعات الدينية في الجامعات العامل الأهم في طرح أعضائها وقياديها، والسؤال الذي بدا منطقيا آنذاك: ماذا بعد التخرج في الجامعة؟!

الاجتهاد في الإجابة عن السؤال السابق أسفر عن صدام متوقع، بين المتشبثين بالاستقلالية والعمل المنفرد بعيدا عن مظلة الإخوان، وبين الاتجاه الذي يحبذ الانخراط في صفوف الإخوان والعمل من خلالهم.


لماذا رفض بعض شباب الجماعات دخول الإخوان؟

يجيب عن هذا السؤال الدكتور أيمن الظواهرى في كتابه «الحوار مع الطواغيت مقبرة الدعاة»، حيث يقدم من خلاله رؤية كل الجهاديين من كوادر الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد آنذاك لجماعة الإخوان، ويروى الظواهرى من خلال تلك الرؤية قصة الحوار بين الإخوان والحكومة كنموذج للإدانة والتشهير، مشيرا إلى أن الناظر في تاريخ الحركة الإسلامية القريب يرى كيف سقطت جماعة الإخوان المسلمين في فخ الحوار مع الحكومة بداية من مرشدهم الأول البنا حتى الآن.

ويضيف: «إن البنا لم يكن يكفّر الملك فاروق الحاكم بغير ما انزل الله، بل سيّر مظاهرة من عشرين ألفا من الإخوان لمبايعة الملك الكافر، ولما زَجَّ الملك بالإخوان في السجون عام ١٩٤٨، لجأ البنا إلى الاسترحام والاستعطاف لا الحوار، فالتقى بالوزير النصرانى كريم ثابت باشا رجل الملك - بوساطة الصحفى مصطفى أمين - وقال البنا إن الجماعة انحرفت باشتغالها بالسياسة، وإنها تعرض على الملك أن تعود هيئة دينية لا صلة لها بالسياسة، وأن تؤيد العرش وتحارب الشيوعية، ولم يتم للبنا ما أراده، والنهاية معلومة.

ثم جاء جمال عبدالناصر فاحتوى بعض قادة الإخوان، كعبدالرحمن السندى وغيره، وضرب بعضهم ببعض وفرّق الجماعة، ثم ضربها بعدما قضى منها حاجته، إذ أيدت ثورته في البداية حتى وطَّد أقدامه في البلاد، فاستغنى عنهم وقتل قادتهم وعذَّبهم عذابا يفوق التصور.


تنازلات

وظل الإخوان في السجون حتى جاء أنور السادات إلى الحكم، وهنا يقول عبدالحليم خفاجى - أحد الإخوان - في كتابه: «إن عمر التلمسانى أراد أن يسدّ فجوة عدم الثقة بيننا وبين المسئولين في الدولة، وأن يفتح طريقا للتفاهم لطى هذه الصفحة السوداء، فرفع إلى المسئولين عن طريق إدارة السجن مذكرة كبيرة حول أهمية اللقاء المباشر مع من يهمهم الأمر كبديل لهذه الأساليب البربرية، فعل ذلك إعذارا إلى الله، وتحمَّل بعض العنت من قلة من الإخوان أبوا هذه الخطوة عليه»، ثم خرج الإخوان من السجن وهنا يقول التلمسانى: «جاءنى في عام ١٩٧٣م فضيلة الشيخ سيد سابق وأخبرنى أن السيد أحمد طعيمة، وكان وزيرا في عهد السادات، جاءه وأخبره أن السادات على استعداد للقاء بعض الإخوان المسلمين المعروفين لإزالة ما في النفوس والتعاون على خدمة الوطن، وكان ذلك قبل استبعاد الخبراء السوفيت بقليل، فرحبت بالفكرة، وذهبت إلى فضيلة المرشد حسن الهضيبى الذي كان في الإسكندرية وأخبرته بحديث الشيخ سيد سابق معي، فقال لى إن الفكرة لا بأس بها إن صحت النوايا عند أصحابها، وكلَّفنى أن أستمر في المفاوضات».

ويشير الظواهرى إلى أن الحوار مع السلطة يؤدى دائما إلى مفاوضات، والمفاوضات بدورها تؤدى إلى تنازلات عن المبادئ.


ويعدد الظواهرى هذه التنازلات من قبل الإخوان قائلا:

أ- لقد أسبغ الإخوان ومن والاهم الشرعية على الحكومة الكافرة، عندما قال مرشدهم محمد حامد أبو النصر: «نحن لا نضع أيدينا أبدا في أيدى القائلين بتكفير الحاكم».

وعندما أصدر الشعراوى والغزالى بيانهما المشئوم في ١/١/١٩٨٩، الذي قالا فيه: «إنهما يعتقدان في إيمان المسئولين بمصر، وإنهما لا يردّان على الله حكما ولا ينكران للإسلام مبدأ» وأيد الإخوان البيان الذي يعترف بإيمان الحكام، بعد أن بايعوه عام ١٩٨٧.

ب- أسبغ الإخوان الشرعية على الوسائل الكفرية التي تدين بها الحكومة، فاعترفوا بشرعية الديمقراطية التي تسلب حق التشريع من الله وتمنحه للشعب، ودخلوا مجلس الكفر المسمى بمجلس الشعب، مجلس الأرباب الذين يشرعون للناس.

وقال مرشدهم أبو النصر آنذاك: «نريدها ديمقراطية شاملة وكاملة للجميع»، وأضاف: «إن الانتخابات الوسيلة المشروعة للتغيير»، ولقد قالها من قبله عمر التلمساني.

ج- وترتب على الحوار والمفاوضات إنكار الإخوان للجهاد:

حيث قال التلمسانى: «العنف وسيلة العاجزين عن الإقناع»، وأضاف: "الإخوان يؤمنون بأن التحول عن القوانين الوضعية إلى القوانين الإسلامية لا بد أن يأخذ طريقه المشروع دون عنف أو إرهاب".

ويقول حامد أبو النصر: "لم يحدث أن أقرّ الإخوان استخدام العنف ضد الحاكم»، ويضيف: «لن نأتى إلى الحكم إلا إذا استدعينا لهذا عن طريق الانتخابات".

ويشير الظواهرى إلى أن شباب الإخوان المخدوع يعتبر هذه الأقوال من باب «التقية»، ولا يدرى أن هذا تبديل لأحكام الدين المستقرة كما بدّل اليهود والنصارى دينهم.

د- وتَرَتَّب على المفاوضات أن تحوّل الإخوان إلى عملاء للحكومة الكافرة، يسبغون الشرعية على حكمها وديمقراطيتها، وينكرون على من ينادى بجهادهم، وتحوّل الإخوان إلى طابور خامس يمزّق جسد الحركة الإسلامية بمصر ويصيب الحركة بالتخدير والشلل، وهذا ليس من عندنا بل هو كلامهم، قال مأمون الهضيبى: «إن وجود الجماعة يمثل مصلحة للحكومة، لأنها تلجأ إلينا كثيرا لضبط التيار الدينى المتطرف»، وقال التلمسانى: "أنا على اتصال دائم بأجهزة الداخلية لمساعدتها في ترسيخ الأمن»، وأضاف: «كان من فضل الله عليَّ ما ذهبت إلى كلية ثائرة لأمر من الأمور إلا وعدت موفقا، وكان جهدى موضع شكر المسئولين في وزارة الداخلية".

ويؤكد الظواهرى رفضه لمثل هذه الحوارات والمفاوضات مع أجهزة الحكم، مشددا على أن الطريق واحد وواضح "قتال هذه الحكومة وخلعها وتنصيب خليفة مسلم.


الصدام:

اتخذ عمر التلمسانى المرشد العام الثالث للجماعة موقفا مراوغا فيما يتعلق بالموقف من سياسات السادات تجاه القضية الفلسطينية من الصلح مع إسرائيل، قام موقف المرشد العام للجماعة على أساس تأييد مبدأ التفاوض إذا كان معناه «رد الحقوق إلى أصحابها، وعودة فلسطين» في الوقت الذي تعارض فيه الجماعة بشكل كامل اتفاق «كامب ديفيد»، وميز التلمسانى في نفس الوقت، بين مبدأ التفاوض والنتائج المترتبة عليه، فرفض أي اعتراف بوجود إسرائيل، حتى لو أدت إليه المفاوضات جنبا إلى جنب مع عودة فلسطين، كما اتخذ موقفا واضحا برفض التطبيع مع إسرائيل، وحذر من مخاطره، على اعتبار أنه يمكن أن «يهود المنطقة كلها».

إن الإقرار الشرعى بمبدأ التفاوض مع إسرائيل، ورفض ما ينتج عنه، بل رفض وجود إسرائيل ذاتها، وصولا إلى الدعوة للجهاد ضدها، هو من أبرز التناقضات التي ميزت الخطاب الإخوانى تجاه القضية الفلسطينية حتى الآن، فحاولت الجماعة في هذا الموقف المتناقض وشبه المزدوج أن تحافظ على سياسة وضع القدم الأولى في السلطة ووضع الثانية في المعارضة تحت دعوى اتباع «أسلوب النصح»، من هنا جاء امتناع المرشد العام عمر التلمسانى عن تأييد الائتلاف الوطنى المعارض لسياسات كامب ديفيد في عامى ١٩٨٠-١٩٨١، واعتراضه على قرار المقاطعة العربية لمصر، ومطالبته قادة الدول العربية بتقديم بديل عن سياسات السادات السلمية بدلا من مقاطعته في الوقت الذي انضم فيه أحمد سيف الإسلام البنا نجل مؤسس الجماعة إلى الائتلاف المعارض للاتفاقية، فيما كانت مقالات «الدعوة» التي تهاجم الاتفاقية تتوالى، ما تسبب في حرج وضيق شديدين للرئيس السادات، خاصة أن الاتفاق بينه وبين التلمسانى لم يكن ينص على معارضة سياسات الرئيس علنا.

وسرعان ما حدث الصدام بين الطرفين، وشملت قيادات الجماعة بمن فيهم مرشدها العام، قرارات اعتقالات سبتمبر ١٩٨١ الشهيرة، ووجهت لها السلطة اتهاما بتشكيل تنظيم سرى جديد، بينما كان المسرح يتم تجهيزه للقضاء على السادات بواسطة إحدى الجماعات الإسلامية المتشددة التي صنعتها أجواء ما بعد هزيمة يونيو ١٩٦٧، ومهد لها السادات نفسه طريق التوغل داخل شرايين المجتمع المصري، والغريب أن هذه الجماعة «الجماعة الإسلامية المصرية» كانت ممن يتهمون الإخوان بالتواطؤ مع نظام الحكم والتخلى عن فريضة الجهاد.