السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

«الهجرة غير الشرعية».. طريق الموت في الصحراء.. الظروف الاقتصادية الدافع الرئيسي لهجرة الشباب.. تزايد أعداد الهجرة مؤخًرا رغم الاقتتال الدائر في ليبيا.. الألغام الأرضية أبرز الأخطار

الهجرة غير الشرعية
الهجرة غير الشرعية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في الوقت الذي يفر فيه الليبيون بأرواحهم من الاقتتال الدائر في بلدهم، يتسلل المصريون بالآلاف عبر الحدود الغربية للبلاد؛ بحثًا عن فرصة عمل وقد تكون حياته هي الثمن، فالحالة الاقتصادية والظروف السياسية السيئة التي تمر بها البلاد، أهم العوامل التي تدفع الشباب للجوء إلى فكرة الهجرة غير الشرعية، والتي تعد بمثابة الانتحار الذي يلجأ إليه الشاب عندما يشعر بأن حياته أصبحت بلا معنى، خاصة عندما يتعرض لضغوط نفسية بأنه فاشل ولم يحقق أي نجاح بحياته، أو عندما تغلق في وجهه كل أبواب الرزق.
أصبحت الهجرة غير الشرعية تجارة غير رسمية تديرها مافيا التهريب المصري والليبي عبر سماسرة ووسطاء من محافظات الدلتا ومدينة السلوم المصرية ومساعد الليبية، حيث تتم عبر الدروب الصحراوية المنتشرة على الحدود المصرية الليبية والتي تبلغ نحو 45 واديًا ودربًا، أو عن طريق منفذ السلوم البري من خلال التأشيرات وجوازات السفر المزورة، أو عن طريق البحر بواسطة مراكب الصيد.
وقد نشطت هذه التجارة في مدينة السلوم التي تحولت من مدينة كانت تديرها الأجهزة الأمنية بقبضة من الحديد قبل ثورة 25 يناير إلى مدينة التهريب المنظم للهجرة غير الشرعية، التي يديرها مجموعة من شباب المدينة مقابل مبالغ مالية من الراغبين في اجتياز الحدود بطرق غير رسمية بالاتفاق مع وسطاء من الجانب الليبي لتسهيل دخولهم للأراضي الليبية وتخزينهم تمهيدّا لرحلة جديدة عبر مياه البحر الأبيض المتوسط للوصول إلى دول جنوب أوروبا وخاصة إيطاليا وفرنسا.

وتعتبر «منطقة البردى» في مدينة مساعد الليبية التي تقع على الحدود بين مصر وليبيا بمسافة تبعد 7 كيلومترات، هي أهم المناطق التي يتم نقل المهاجرين إليها عبر الدروب الصحراوية أو سواحل مدينة السلوم من خلال المياه الإقليمية بين البلدين، وتبدأ تفاصيل رحلة الموت عن طريق سماسرة الهجرة بمحافظات الدلتا وخاصة محافظة كفر الشيخ التي يخرج منها العديد من المراكب التي تقل العشرات من الشباب المصري الباحث عن فرصة عمل بدولة ليبيا أو الدول الأوروبية، ويكون ذلك بالتنسيق مع الوسطاء الآخرين في السلوم ومدينة مساعد الليبية.
وفي أغلب الأحيان تنتهي وقائع رحلات الموت بفاجعة تزلزل قلوب أسر هؤلاء الشباب، فالرحلة من بدايتها حتى نهايتها محفوفة بالعديد من المخاطر سواء كانت برا أو بحرا، فالمهاجرون عبر الدروب الصحراوية يتم تجميعهم في مدينة السلوم ويقومون بالتحرك مع أول ضوء ويسلكون هذه الدروب الضيقة بواسطة بعض الأدلاء الذين يحفظونها، ومن لم يحالفه الحظ وينجح في اجتياز الحدود يقع فريسة في شبكة الألغام الأرضية المزروعة على طول الحدود المصرية الليبية مما يودي بحياته أو يفقده جزءّا من جسمه، أو يسقط قتيلّا برصاص حرس الحدود.
ولم يكن حال المهاجرين عن طريق البحر أحسن حالًا، فبعد أن تبحر المركب من رشيد أو رأس الحكمة أو سيدي براني أو السلوم، تتعرض محركاتها للتوقف بسبب زيادة حمولتها التي قد تتعدى ثلاثة أضعاف ما تقله هذه المركب، فإذا حالفها الحظ وتمكنت قوات البحرية وقوات حرس الحدود من إنقاذها من الغرق.

وفي مدينة السلوم تحديدًا أعلى الهضبة، حيث يوجد المنفذ ينتشر السماسرة الذين يعرضون خدماتهم على الشباب المتردد على المدينة سواء كانوا مصريين أو من أي جنسيات أخرى، ويقوم السمسار بالاتفاق مع الراغبين في اجتياز الحدود للعمل في دولة ليبيا أو في السفر من خلالها إلى دول جنوب أوروبا، مقابل مبالغ مالية تتراوح ما بين ألف إلى أربعة آلاف جنيه مصري للفرد، ويتم ذلك باتفاق مسبق مع أحد الأفراد في الجانب الليبي، ويتم تجميع هؤلاء المهاجرين أمام المنفذ أو عند منطقة الانطلاق التي تم الاتفاق عليها مسبقًا.
يقول عزت محمود شوقي 29 سنة، عامل يومية، مقيم ببني سويف: إنه و39 شخصًا معظمهم من محافظته استقلوا سيارة لاند كروزر في طريقهم إلى الصحراء الليبية بطريقة غير مشروعة أواخر أكتوبر الماضي، وعند بلوغهم العلامة الدولية 114 على الخط الحدودي الفاصل بين مصر وليبيا، انفجر بهم لغم أرضي أدى إلى إصابة 8 أشخاص بإصابات بالغة في أنحاء متفرقة من الجسم، وعن سبب الهجرة بهذه الطريقة أوضح إنه ورفاقه تركوا أولادهم وزوجاتهم في مصر للبحث عن عمل بأجر مرتفع في المدن الليبية رغم الصراع الدائر هناك.
بشار عبدالسميع عطية حسان، من مركز سمالوط بمحافظة المنيا، تم العثور عليه بعد رحلة الموت التي شاهدها في الصحراء الليبية، والتي استغرقت 12 يومًا في عمق الصحراء، وشهد رفاقه وأقاربه يموتون أمامه وهو عاجز عن تقديم العون لهم، وكان الدافع وراء الهجرة هو السعي وراء الرزق بعدما غلقت أبواب الرزق في وجوههم.

من جانبه أكد مساعد وزير الداخلية مدير أمن مطروح، أن معظم المهاجرين غير الشرعيين من المصريين وبعض السودانيين والبنغاليين والسوريين، مشيرًا أنه يتم ضبط المئات من المتسللين عبر الحدود، وبالتحقيق معهم وتطوير مناقشتهم للوقوف على نشاطهم الإجرامي إن وجد وفحصهم سياسيًا وأمنيًا، تبين أن 95% منهم يلجأ إلى هذه الطريقة للبحث عن فرصة عمل بليبيا ولم يكن من أجل الجهاد أو الانضمام للجماعات الجهادية والتكفيرية هناك، إلا القليل الذين يتم ضبطهم ويرجع ذلك لإحكام الأجهزة الأمنية قبضتها على عمليتي السفر والوصول بالتنسيق والقوات المسلحة بالمنطقة الغربية العسكرية.
مصدر عسكري مسئول بقوات حرس الحدود بالمنطقة الغربية العسكرية، أوضح أن عمليات الهجرة غير الشرعية تنشط خلال شهر رمضان وفترة الأعياد وأثناء إجراء عملية الاقتراع في الانتخابات، ظنا من مافيا الهجرة أن أجهزة الأمن مشغولة في هذه الفترات ولا تستطيع رصدهم والقبض عليهم، وعن إحصائيات وأعداد المهاجرين أشار إلى أنه لا يوجد بيان تفصيلي بهذه الأعداد التي تتباين من شهر لآخر، مؤكدّا أنه تم القبض على أكثر من 3 آلاف شخص حاولوا التسلل للأراضي الليبية خلال شهر نوفمبر الجاري من عدة جنسيات معظمهم مصريين من محافظات الصعيد وعدد من السودانيين والسوريين والفلسطينيين والبنغاليين.

ويواجه هؤلاء المتسللون أخطارًا عديدة خلال رحلتهم إلى ليبيا، أشدها خطرًا حقول الألغام التي زرعتها القوات المسلحة المصرية على حدودها مع ليبيا لتأمين الحدود من محاولات التسلل أو التعرض لهجمات عدائية من الأراضي الليبية، شمال وجنوب منفذ السلوم حتى الأودية المؤدية إلى ساحل البحر، وتمتد بمسافة تقدر بنحو 150 مترًا عرضيًا، وفى الجهة المقابلة توجد الألغام التي زرعها قوات ومنتسبى حرس الحدود الليبي لتأمين حدودهم مع مصر ولكن تعد هذه المنطقة أشد خطورة من الألغام المصرية، حيت تم زرعها على أعماق مختلفة شمال وجنوب منفذ مساعد الليبي على مساحة تقدر بنحو 700 متر.
جدير بالذكر أن الحدود المصرية الليبية يبلغ طولها نحو ألف و50 كيلومترًا من الشمال عند البحر المتوسط وحتى الحدود المصرية السودانية، وتشهد هذه الحدود استنفارًا أمنيًا خاصة خلال هذه الأيام مع وجود تهديدات من جانب الجماعات الإسلامية المتشددة من جماعة الإخوان وتنظيم داعش، ويتركز التشديد الأمني المصري في السلوم خاصة المنفذ البرى ومن ناحيتي الهضبة البحرية والقبلية من هضبة السلوم.

وتنقسم عملية تأمين الحدود مع ليبيا إلى 3 قطاعات، الأول يمتد من ساحل البحر المتوسط وحتى منطقة واحة الجغبوب الليبية بطول 200 كيلومتر، والثاني من الجغبوب إلى واحة سيوة المصرية بطول 65 كيلومترّا، والثالث من سيوة حتى نقطة جبل العوينات بطول 785 كيلومترّا، وهذا القسم هو الأكثر صعوبة في تأمينه بسبب طوله واحتياجه إلى طائرات استطلاعية وتفتيشية بصورة متكررة مما يشكل عبئًا كبيرًا على الجيش المصري، خاصة الجزء المعروف بالمثلث الحدودي بين مصر وليبيا والسودان.

وتقع مهمة حماية النقاط الحدودية المنتشرة بين البلدين على عاتق عناصر حرس الحدود بالمنطقة الغربية العسكرية من ساحل البحر المتوسط شمالا وحتى واحة سيوة جنوبا، بالتعاون مع القوات الجوية التي تنفذ طلعات استطلاعية في أوقات مختلفة على طول الحد الفاصل عبر الرمال المتحركة وبحر الرمال، ويتم تمشيطها بشكل دائم للكشف عن محاولات التسلل وعمليات التهريب، وتضم منظومة التأمين لحدودنا الغربية بواسطة السيارات الخفيفة والسيارات ذات الدفع الرباعى والموتسيكلات الصحراوية البيتش باجى، فضلا عن استخدام الإبل بما يتناسب مع طبيعة المناطق الصحراوية والجبلية الوعرة التي لم تتمكن السيارات من اختراقها لوعورة السطح، وتزود هذه القوات بأحدث الأسلحة وأجهزة اتصال لاسلكية حديثة وكشافات كبيرة وأجهزة للكشف عن المفرقعات والألغام من خلال الدوريات المتحركة التي تدفع بها قيادة حرس الحدود ونقاط المراقبة والتي تخضع للتفتيش من قبل مكتب مخابرات حرس الحدود المصرية.
وبالرغم من تزايد حالات الهجرة الشرعية من مصر إلا أنه لا يوجد قانون يجرم هذا الفعل سواء من المهاجرين أو من يساعدهم على ذلك مما يجعل إصدار مثل هذا التشريع أحد المطالب المهمة التي يجب أن يقوم بها مجلس النواب القادم، وذلك للحفاظ على حياة المصريين ومنع تجار الموت من التربح جراء التضحية بشباب مصر.