الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

حتشبسوت.. امرأة غيرت وجه التاريخ

حتشبسوت
حتشبسوت
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ملكة غير عادية، تركت خلفها تركة من الألغاز والأسرار، حتى رحيلها كان لغزّا لم يستطع أحد حله، فسليلة الملوك لا يعرف أحد كيفما ماتت، لكنها تركت خلفها عصرّا مليئّا بالسلام وقصة حب أسطورية، وحملات عسكرية لا يقوى عليها الرجال.

حتشبسوت سليلة الملوك

كانت حتشبسوت الفرعون الخامس من عصر الأسرة الثامنة عشرة في مصر القديمة. يعتبروها علماء المصريات واحدة من أنجح ملوك الفراعنة، حاملة للقب أطول من أي امرأة أخرى في الأسر المصرية، تميز عهدها بقوة الجيش والبناء والرحلات التي قامت بها، وهي الابنة الكبرى لفرعون مصر الملك تحتمس الأول وأمها الملكة أحموس، وكان أبوها الملك قد أنجب ابنا غير شرعي هو تحتمس الثاني وقد قبلت الزواج منه على عادة الأسر الملكية ليشاركا معا في الحكم بعد موته، وذلك حلا لمشكلة وجود وريث شرعي له.

قصة حب غير عادية وغير معروفة الملامح جمعت بين سليلة الملوك وخادمها "سنموت" ذلك المهندس الذي بنى لها معبدها الشهير في الدير البحري، والذي منحته 80 لقبّا، وكان مسئولا عن رعاية ابنتها الوحيدة وقد بلغ من حبه لمليكته أن حفر نفقّا بين مقبرتها ومقبرته.

حتشبسوت وحكم مليء بالسلام

اشتهر حكم حتشبسوت بالسلام والازدهار، حيث كانت تحاول أقصى وسعها لتنمية العلاقات وخاصة التجارية مع دول الشرق القديم لمنع أية حروب معهم، رغم أنها واجهت مشاكل عديدة في بداية حكمها بسبب حكمها من وراء الستار بدون شكل رسمي ويقول بعض الناس أنها قتلت زوجها وأخوها الملك تحتمس الثاني للاستيلاء على الحكم لكن لا يوجد دليل كافي.
ومن جهة أخرى، واجهت مشاكل مع الشعب حيث كان يرى أغلب الناس أنها امرأة ولا تستطيع حكم البلاد، إذ كان الملك طبقّا للعرف ممثلا للإله حورس الحاكم على الأرض. لذلك كانت دائمّا تلبس وتتزين بملابس الرجال، وأشاعت أنها ابنة آمون لإقناع الشعب بأنها تستطيع الحكم، في الوقت نفسه كان ولي العهد الشرعي تحتمس الثالث لا زال صبيّا وليس بمقدوره رعاية مصالح البلاد فعملت حتشبسوت على حكم البلاد إلى أن يكبر، وراعت أن يتربى تحتمس الثالث تربية عسكرية، بحيث يستطيع اتخاذ مقاليد الحكم فيما بعد.
أما عن زواجها كانت زوجة الملك تحتمس الثاني وهو من السلالة الثامنة عشر، ويبدو أن زوجها أُطيح به طوال بضع سنين، ولكنهما عادا إلى العرش سنة 1493 قبل الميلاد، وطوال السنوات الـ12 التالية كرّست كل قواها وموارد مصر لإنشاء الطرق، وتشييد المنازل، والمعابد، ولتحسين الأحوال البلاد الداخلية، ومحاولة إبقاء مصر بعيدة عن الحرب مع جاراتها، وكانت ترعى كذلك الفنانين والحرفيين، وكان لها ابن هو أمنحوتب الثاني.

حتشبسوت والتجارة

نشـّطت حتشبسوت حركة التجارة مع جيران مصر، حيث كانت التجارة في حالة سيئة خصوصا في عهد الملك تحتمس الثاني، وأمرت ببناء عدة منشآت بمعبد الكرنك، كما أنشأت معبدها في الدير البحري بالأقصر.
واهتمت حتشبسوت بالأسطول التجاري المصري، فأنشأت السفن الكبيرة واستغلتها في النقل الداخلي لنقل المسلات التي أمرت بإضافتها إلى معبد الكرنك تمجيدّا للإله آمون أو إرسال السفن في بعثات للتبادل التجاري مع جيرانها، واتسم عهدها بالرفاهية في مصر والسلام، وزاد الإقبال على مواد ترفيهية أتت بها الأساطيل التجارية من البلاد المجاورة، ومن أهمها البخور والعطور والتوابل والنباتات والأشجار الاستوائية والحيوانات المفترسة والجلود.
كما أرسلت أسطولًا كبيرًا إلى المحيط الأطلسي وازدهرت التجارة مع المحيط الأطلسي لاستيراد بعض أنواع السمك النادر، وتعددت بذلك بعثتها للعديد من بلدان العالم
وصور المؤرخين في عصرها البعثات على جدران المعابد ومنها بعثة أسوان التي صورت على جدران معبد الدير البحري، حيث جلب الأحجار الضخمة للمنشآت. وقامت بإنشاء مسلتين عظيمتين من الجرانيت بأسوان تمجيدّا للإله أمون يبلغ كل منهما نحو 35 طنا، ثم تم نقلهما على النيل حتى طيبة وأخذت المسلتان مكانهما في معبد الكرنك بالأقصر. وعند زيارة نابوليون أثناء الحملة الفرنسية على مصر عام 1879 أمر بنقل إحدى المسلتين إلى فرنسا، وهي تزين حتى الآنميدان الكونكورد في العاصمة الفرنسية باريس.

حتشبسوت.. وفن العمارة

اهتمت حتشبسوت كثيرا بالعمارة وخير دليل على ذلك معبد الكرنك فلايزال المهندسون حتى الآن يضعون النظريات للطريقة التي اتبعها المهندس المصري القديم للقيام بهذا العمل الجبار
ليس هذا فقط، فقد أصدرت حتشبسوت أوامرها بإنشاء مسلة تعتبر أكبر مسلة في تاريخ البشرية مكونة من قطعة واحدة من الحجر تزن فوق 1000 طن لوضعها بمعبد الكرنك، إلا أن المهندسين المصريين القدماء تركوها بعدما اكتشفوا فيها شرخا يحول دون استخدامها.

حتشبسوت.. وفاة الأسطورة

توفت حتشبسوت في 10 من الشهر الثاني لفصل الخريف (يوافق 14 يناير 1457 قبل الميلاد) خلال العام 22 من فترة حكمها.
وقدر المؤرخ المصري القديم مانيتو Manetho فترة حكمها بـ 21 سنة وتسعة أشهر. وقد اعتـُقد في الماضي أنها قتلت بسبب التنازع على الحكم، ولكن تم التحقق الآن من مومياء حتشبسوت وهي تبدي بوضوح علامات موت طبيعي، وأن سبب موتها يرجع إلى إصابتها بالسرطان أو السكري، وقبرها موجود في وادي الملوك ويرمز له بالرقم KV20، وربما قامت حتشبسوت توسيع مقبرة أبيها لكي تستعملها، ووجد تابوتها بجانب تابوت أبيها.