الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

محمود صلاح يكتب :"أمـير الأحزان" أسـرار محاولة اغتيال الملك فـؤاد

الملك فؤاد الأول
الملك فؤاد الأول
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فؤاد.. الأمير المفلس

ولد في القاهرة وتعلم في سويسرا والتحق بالجيش الإيطالي بعد نفى الخديوي إسماعيل له إلى إيطاليا، عاش معه في قصر فلورينا الملكي يسرق أوراق اللعب ويخفيها في حذائه فلم يكن مقامرًا شريفًا عمل "ياور" للسلطان عبدالحميد والملحق العسكري للدولة العثمانية في النمسا تنازل له السفرجى عن ديونه فأنعم عليه برتبة " البكوية ."

التاريخ في حياة الشعوب ليس حروبا ومعارك.. وانتصارات وهزائم فقط.. أن سير الحكام والملوك والرؤساء تكشف أيضا تفاصيل تاريخ الشعوب.

وتظل تداعيات هؤلاء الحكام والملوك تؤثر في حركة شعوبهم، حتى بعد أن تطويهم أيام الحياة وصفحات التاريخ كأفراد.

وفى تاريخ مصر 148 عاما خضعت فيها لحكم أسرة محمد على. تحتاج من المؤرخين والباحثين إلى جهد كبير لإلقاء الضوء على أسرار هذه الفترة الطويلة والمثيرة في حياة الشعب المصرى. حكم محمد على مصر فترة 43 سنة.

ومن بعده جاء إبراهيم باشا الذي حكم من 5 أبريل 1848 حتى 10 نوفمبر من العام نفسه.

ثم جاء عباس الأول حفيد محمد على الذي دام حكمه من سنة 1848 حتى قتل في 14 يوليو 1854.

وتولى سعيد باشا حكم مصر في العام نفسه وحتى سنة 1863.

ومن بعده جاء الخديوى إسماعيل بن إبراهيم باشا الذي حكم البلاد من 18 يناير 1863 حتى خلع في 26يوليو 1879.

وخلفه توفيق باشا ابنه الذي تولى الحكم 13 عاما.

وتولى الحكم بعده ابنه الخديوى عباس الثانى الذي خلع بعد فترة حكم استمرت 22 سنة

وجاء السلطان حسين الذي حكم ثلاث سنوات توفى في نهايتها.

ثم حكم مصر من بعده الملك فؤاد الأول اصغر أبناء الخديوى إسماعيل. الذي جلس على العرش من عام 19 سنة. وخلفه ابنه فاروق الأول الذي خلعته ثورة يوليو 1952، ثم أحمد فؤاد الثانى ابن فاروق الذي خلع في 18 يوليو 1953.

وهكذا يكون ثلاثة من أبناء الخديوى إسماعيل قد جلسوا على عرش مصر.

واحد منهم خديوى وهو توفيق.

والثانى هو سلطان وهو حسين.

والثالث ملك.. وهو فؤاد.

وعن الأخير ـ الملك فؤاد ـ كانت هذه القضية المثيرة في تاريخ مصر.


قضية: الأمير المجنون !

يعرف معظم المصريين الكثير عن الملك السابق فاروق.

لكن القلة منهم فقط يعرفون القدر اليسير عن والده الملك فؤاد الأول.

وفؤاد الأول كان أصغر أبناء الخديوى إسماعيل- وكان أحد أحفاد محمد على باشا الكبير عميد هذه الأسرة التي حكمت مصر 148 سنة.

ولد فؤاد الأول سنة 1868، في قصر والده الخديوى إسماعيل في الجيزة، وكان الخديوى إسماعيل قد أنشأ مدرسة خاصة في قصر عابدين لتعليم أولاده فأدخل ابنه فؤاد فيها لما بلغ السابعة من عمره- ودرس الأمير فؤاد في هذه المدرسة ثلاث سنوات- ارسله بعدها والده الخديوى إسماعيل إلى مدرسة "توديكم" الخاصة في مدينة جنيف بسويسرا.

لكن في تلك الفترة تم خلع الخديوى إسماعيل ونفى إلى ايطاليا.

وذهب الأمير الصغير أحمد فؤاد ليتعلم مع والده هناك في قصر فلورينا الملكى الشهير، وأشار الملك البرتو الأول ملك ايطاليا على صديقه الخديوى إسماعيل بأن يلحق ابنه في المدرسة الاعدادية الملكية في مدينة تورينو.

ودرس أحمد فؤاد بالفعل في هذه المدرسة، ثم انتقل منها إلى مدرسة تورينو الحربية، وعندما تخرج فيها عام 1888 انضم إلى الجيش الايطالى في آلاى الطوبجية الثالث عشر وظل ضابطا في الجيش الايطالى عامين كاملين.

وبعد ذلك التحق الأمير أحمد فؤاد بالبلاط الملكى الايطالى لفترة.

وعاد الخديوى إسماعيل بعد كل هذه السنوات إلى الاستانة.

وعاد معه الأمير أحمد فؤاد.

وفى الاستانة عينه السلطان عبد الحميد ياورًا له في البلاط السلطاني وانتدب لفترة ليكون ملحقًا حربيًا لسفارة الدولة العثمانية في فيينا عاصمة النمسا.

وأخيرًا استدعاه الخديوى عباس الثاني للعودة إلى مصر، حيث منحه رتبة الفريق ثم عينه ياورا له.


لكن الحقيقة لم تكن مشرقة مثل السطور السابقة !

فرغم أن الأمير أحمد فؤاد أو "البرنس فؤاد" كما كان يطلق عليه في تلك الأيام كان سليل الحكام. وابن حاكم شهير هو الخديوى إسماعيل وحفيد حاكم أشهر هو محمد على باشا الكبير. إلا أن شخصية البرنس "أحمد فؤاد" في الواقع كانت نموذجًا للشاب المستهتر الطموح البعيد تماما عن الاخلاق والمثل والسلوك المستقيم.

وفى أوراقه التي تحمل عنوان "حكايات من دفتر الوطن" يرسم الكاتب صلاح عيسى صورة "البرنس فؤاد" في تلك الأيام قائلًا:

"في تلك الأيام" وبالتحديد في عام 1895 كان البرنس أحمد فؤاد في السابعة والعشرين من عمره- وكان معروفا آنذاك في أوساط العائلة المالكة بأنه شاب مفلس كثير الاقتراض مقامر.. سكير.. وهى شهرة تعدت الأوساط الملكية لتصل إلى رجل الشارع العادى. الذي كان يصف البرنس فؤاد بأنه "شمام" وهو تعبير يصف تدهور أحواله العامة وافتقاره للاحترام الاجتماعى، كان بتعبير المرحوم "بيرم التونسى" مقامرًا لا ترحب به أندية القمار، لأنه مفلس ولا يسدد ديون اللعب.. وكان يركب الحنطور ولا يدفع للحوذى أجرته. 

ويطرق منازل أصدقائه ليلا ويطلب الطعام. وكان هذا كله طبيعيا لأنه ابن الخديوى إسماعيل- وكما يقول الأديب يحيى حقى أن الفرع الذي ينتمى إلى "إسماعيل" من سلاطين وملوك وأسرة محمد على فرع شره إلى المال بدرجة مرعبة. فمن يتولى منهم العرش توفيق وعباس حلمى وحسين كامل وفؤاد وفاروق كانوا لصوصا مشهورين- وكان شرههم الأساسى للأرض- يبذلون الجهد للاستيلاء عليها بأى سبيل- حتى لو كان هذا السبيل هو اغتصاب التنظر على الأوقاف الخيرية والأهلية- بل إنهم لم يتعففوا حتى عن السرقات الصغيرة- والسبب في ذلك معروف- فقد انتقلت أملاك الخديوى إسماعيل إلى ملكية الدولة بموجب قانون التصفية الذي صدر قبل عزله عن العرش- تسديدا للديون الشخصية التي كان قد اقترضها من الأجانب. وبهذا لم يترك لأولاده ثروات موروثة تكفيهم للحفاظ على هيبة الامارة- فأصبح هم كل الذين جلسوا على كرسى العرش من بعده- أن يستردوا الميراث الذي استولت عليه الدولة ـ في رأيهم _ دون وجه حق.

 ويكفى للتدليل على هذان أن البرنس فؤاد لم يرث عن أبيه سوى 800 فدان فقط. واستطاع بعد توليه العرش أن يصل بها إلى 35 ألف فدان إضافة إلى 45 ألف فدان من أراضى الأوقاف وثروة نقدية لا تقل عن 4 ملايين جنيه !

***


اذن.. كان الأمير فؤاد في ذلك الوقت هو " البرنس المفلس " !

نعم وهى صورة أكدها الصحفي الكبير الراحل مصطفى أمين عندما قال:

"عندما تولى الأمير فؤاد عرض مصر كان مدينا لكلوب محمد على بثلاثمائة جنيه قيمة طعام وخمور لم يدفع ثمنها !

وكان مدينا للخياط الايطالى ديليه بألف جنيه قيمة ملابس لم يدفع ثمنها !

وكان مدينا للبنك الأهلي ولبنك موصيرى وللبنك العثمانى ولبنك الكريدين ليونيو !

بل أنه كان مدينا للجزار والبقال. وكان مدينا لطباخه وللسفرجى ادريس الذي كان يأخذ مرتبه بالتقسيط !

وعندما تولى الأمير فؤاد عرش مصر أنعم على السفرجى ادريس برتبة البكوية.. فتنازل الأخير عن باقى ديونه !

وكان مدينا بآلاف من الجنيهات لمدام مخلع باشا.. وعندما اصبح سلطانا عينها وصيفة في القصر!

وكان مدينا لكثير من أغنياء اليهود مثل يوسف موصيرى بك ويوسف قطارى باشا بمبالغ كثيرة !

***


وضاقت الدنيا في عين الأمير المفلس " البرنس فؤاد "!

ولم يكن هناك أمامه من مخرج سوى أن يتصرف بنفس الطريقة التي سبقه اليها أمثاله من سلالة الملوك والسلاطين المفلسين.. وكان الحل الوحيد: البحث عن زوجة تكون في غاية الثراء.. يعيش على حسابها !

لكن الثراء لم يكن الشرط الوحيد المطلوب في هذه الزوجة.

كان لابد أيضا أن تكون من سلالة ملوك وسلاطين مثله !

وأخذ البرنس فؤاد يبحث هنا وهناك بين أميرات أسرة محمد على. عمن تتوافر فيها هذه المواصفات.

وأخيرًا عثر على ضالته المنشودة: الأميرة شويكار !

كانت الأميرة شويكار حفيدة إبراهيم باشا قد ورثت ثروة كبيرة من أموال وعقارات وأطيان. لأن ثروة والدها إبراهيم باشا لم تصادر. ورغم أنها لم تكن جميلة إلا أنها كانت " الصفقة المناسبة " للأمير المفلس البرنس فؤاد.

ولم يتطلب الأمر مجهودًا كبيرا منه للإيقاع بها.

ووافقت الأميرة شويكار على عرض الزواج الذي تقدم به الأمير المفلس.

بل أنها وافقت على شرطه بأن يؤجل سداد مهرها ـ 10 آلاف جنيه ـ لحين ميسرة !

وتزوج البرنس أحمد فؤاد من الأميرة شويكار.

وانتقلت شويكار من قصر الدوبارة ـ سكن عائلتها ـ إلى قصر الزعفران سكن الأمير فؤاد.

ومن اليوم الأول لزواجهما اكتشفت الأميرة شويكار حقيقة هذا الزواج. وأن البرنس فؤاد تزوجها.. من أجل فلوسها !

وبدأ قصر الزعفران في منطقة العباسية يشهد كل يوم فصلا من فصول مهزلة هذا الزواج.

لم يكن البرنس فؤاد يكتفى بعدم الانفاق على زوجته. وبأنها تتحمل تكاليف الحياة في القصر ومرتبات الخدم والحشم.

بل كان يأخذ كل يوم منها مبلغا، ثم ينطلق إلى أماكن اللهو ولعب القمار في القاهرة. تاركًا زوجته حبيسة جدران قصر الزعفران !

واستمر الزوج " الأمير فؤاد " يعيش دور البرنس الأعزب الطائش !

كان يسكر كل ليلة حتى الثمالة !

وكان يلعب القمار كل ليلة

ولم يكن مقامرا شريفا.. فكان لا يتورع عن سرقة أوراق اللعب وإخفائها في حذائه !

***


وعاشت الأميرة شويكار نهارها وليلها في عذاب !

في الليل.. كانت تبقى وحيدة مع دموعها في حجرة نومها، بينما زوجها البرنس فؤاد يلهو ويسكر ويقامر في نادي محمد على أو الكلوب الخديوى كما كان يسمى في تلك الأيام !

وفى النهار.. كانت ترى الويل على يدى حماتها أم الأمير فؤاد وهى امرأة تركية حادة الطباع طويلة اللسان !

فإذا عاد زوجها "البرنس فؤاد" مع الفجر مخمورًا عابسا من خسارته في القمار، وشكت له من سوء معاملة أمه لم يكن يهتم، بل يصرخ فيها طالبا منها المزيد من النقود.

وإذا اعترضت.

يكيل لها وابلا من السباب والشتائم القذرة بخليط من اللغات العربية والتركية والفرنسية !

وإذا ردت عليه.

فلا يتورع عن التقاط كرباج معلق على الجدران وينزل به ضربًا عليها بكل قوة غير عابىء بصراخها وتوسلاتها !

وشعرت الأميرة شويكار بأنها "حبيسة جهنم" داخل قصر الزعفران.

وكلما طلبت من زوجها أن تخرج لزيارة أهلها كان يرفض بإصرار.

ولم تجد أمامها وسيلة لاخبار أهلها بما يحدث لها سوى تهريب الرسائل والخطابات اليهم. تروى لهم فيها عن حياة الذل التي تعيشها في ظل هذا الزوج النصاب الملكى. وتطلب إنقاذها من سجن الزعفران!

وكان للأميرة شقيقان.. الأمير وحيد الدين.. والأمير سيف الدين.. بينما كانت والدتها "نجوان هانم أفندى" تعيش في الاستانة.

وذات يوم..

وبينما كان البرنس فؤاد بعيدا عن القاهرة في غزواته اليومية لدور اللهو. دبت خناقة حامية بين الأميرة شويكار وحماتها. وانتهزت شويكار الفرصة وغياب البرنس فؤاد.. وأسرعت هاربة من قصر الزعفران إلى بيت أهلها.

وعاد البرنس فؤاد ليكتشف هروبها.

انتقل وكله غضب كالمجنون إلى سراى الجزيرة سكن عائلة الأميرة شويكار.

وهناك حدثت مشاجرة..

وفيما بعد انتهت هذه المشاجرة بأكثر القضايا الملكية إثارة في تاريخ مصر !

***


يروى الكاتب الكبير صلاح عيسى في كتابه "حكايات من دفتر الوطن" قصة "المشاجرة الأميرية العائلية" قائلا:

في قصر والدها بالجزيرة وبعد أن هربت الأميرة شويكار من قصر زوجها البرنس أحمد فؤاد. وجدت شقيقها البرنس سيف الدين، فروت له كل ما حدث، ومعاناتها داخل قصر الزعفران من زوجها المقامر السكير وحماتها سليطة اللسان، واصطحب البرنس سيف الدين أخته ليتمشى معها في حديقة القصر، وليهدئ من روعها.. وبعد قليل حضر البرنس فؤاد وشاهدهما من بعيد، فطلب من جارية حبشية أن تخطر الأميرة شويكار بأنه ينتظرها في صالون القصر.

بعد دقائق..

صعدت اليه الأميرة شويكار مع شقيقها الأمير سيف الدين.

لكن البرنس فؤاد تجاهل وجود شقيق زوجته !

وطلب من الجارية أن تخبره بأن يتركه مع زوجته !

وبكل هدوء انصرف البرنس سيف الدين إلى صالون مجاور.

وبنفس طريقة العجرفة التركية أخذ البرنس أحمد فؤاد يصرخ في الأميرة شويكار لأنها هربت من قصر الزعفران دون اذنه.

فصرخت فيه الأميرة شويكار: قائلة اسمع.. " أنا موش جاريتك "!

ثار البرنس فؤاد، وصاح فيها: انت.. لازم ترجعى الآن قصر الزعفران.

ردت عليه في اصرار: أبدًا لن أعود إلى الزعفران.. سأعيش هنا وسط أخواتى ليحمونى.. وإذا كنت تريد أن تعيش معى هنا أو في قصر الدوبارة لا مانع، أو حتى تستأجر لى قصرًا في القاهرة.. لكن الزعفران مستحيل !

وجن جنون البرنس فؤاد.

وجذبها من يدها بشدة من المقعد الذي كانت تجلس عليه.. فاندفعت وهى تصرخ مستغيثة.

وهنا.. أسرع شقيقها الأمير سيف الدين لإنقاذها.

واندفع يوجه لكمة هائلة للبرنس فؤاد.

لكن الأخير كان اقوى جسديًا، فرد الصاع صاعين.. وأوسع الأمير سيف الدين ضربًا.. ولم يجد سيف الدين أمامه سوى الهروب من المكان.

بينما كان البرنس فؤاد يصرخ في أحد الخدم: امسك " الكلب ابن الكلب ده ".. وسلمه للبوليس.

وانتهى الموقف المهزلة " بأن أعاد البرنس فؤاد زوجته الأميرة شويكار في ذلك اليوم إلى قصر الزعفران بالقوة "!

وقد عقد العزم على أن يغير خطته معها.. وبدلا من أن يتعب نفسه كل يوم في طلب النقود منها.. قرر أن يستولى على كل ثروتها.. بأن تعطيه ـ بالذوق أو بالقوة ـ وتوكيلا رسميا لإدارة أملاكها!

وقد استطاع فعلا في تلك الليلة أن يرغمها على التوقيع على هذا التوكيل بعد أن هددها بالموت!

لكنه لم يكن يتخيل أن القصة سوف تكون أكثر إثارة.

وأن الثمن سيكون.. ثلاثة رصاصات في جسده !