الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

أهالي حلايب وشلاتين يعيشون "حياة بدائية".. الزواج بالإشهار والمواليد "غير مدرجين بالسجلات".. ممثلو الأحزاب والقومي للمرأة: "قُتل لديهم الانتماء للوطن بسبب التهميش وأصبحوا جمهورية منفصلة"

أهالي حلايب وشلاتين
أهالي حلايب وشلاتين يعيشون "حياة بدائية"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أرض فضاء وخيام وسماء وعشب أخضر وماء وإبل ورعي وأغنام، هكذا بدا المشهد لحياة سكان الجبال بمدينتي حلايب وشلاتين، اللتين سقطتا سهوًا من حسابات حكومات متعاقبة، حياة بدائية تعيدك للوراء لأكثر من ألفي عام، يعيشها قبائل "رحالة" ربطوا مصائرهم بوجود المطر، غير مبالين بالإحصاءات والبيانات الحكومية التي لم تقم بضمهم في سجلاتها ضمن أبناء هذا الشعب، نساء لا تتكشف على الرجال حتى عند المرض بأمر التقاليد والعادات التي فرضها الواقع، رجال ما زالوا يعتبرون المرأة مجرد وعاء، لا يعترفون بشهادات زواج ولا طلاق ولا يألون اهتمامًا لتوثيق مواليد أو الاعتراف بحقوق وميراث وطب وتعليم، كارثة اجتماعية لم تلتفت لها الكثير من المنظمات المدنية ولم تطالها الأذرع الحزبية، رغم كثرة الغناء على لحن حقوق الإنسان والمرأة والطفل، فهل ستلبي احتياجات تلك القطاعات؟ وهل سيحظي أهل حلايب وشلاتين بالرعاية الكافية شأنهم شأن أي مواطن مصري؟ وهل سيتم الالتفات للمحافظات النائية.. أسئلة مشروعة تنتظر إجابات في الأيام المقبلة.
معاناة لا تنتهي أجبر عليها رجال ونساء تلك المناطق النائية تسببت في ضياع الكثير من حقوقهم واختلاط الأنساب إلى جانب شعورهم بأنهم أموات غير مرحب بهم ولا بأبسط حقوقهم في الحياة من "بطاقات هوية" تدرجهم في سجلات المسئولين وتعتبرهم مواطنين لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات، فمتى سيحظى هؤلاء ببطاقات قوية سؤال بات مشروعًا.


"البوابة نيوز" حاولت الوقوف على هذه القضية والتعرف على رأي الخبراء والمعنيين بها:
في البداية، قالت منى عبد الراضي أمين المرأة في حزب التجمع والمتحدث باسم جبهة نساء مصر، إن سكان هذه المناطق قُتل لديهم الإحساس بالانتماء نتيجة إهمال الدولة لهم وعدم استشعارهم بوجودها وحالة الشتات التي حاصرتهم بين أنهم مواطنون مصريون أم أنهم يتبعون أراضى بلدان أخرى، مؤكدة أن المنطقة منعزلة تمامًا ولا يوجد أي تواصل من المحافظين بها.
وأضافت "عبد الراضي": هناك كارثة اجتماعية بحلايب وشلاتين، حيث لا يوجد مأذون لديهم ولا يوجد أي توثيق لحالات الزواج وتكتفي العائلات فقط بالإشهار، وهو نفس الحال بالنسبة للوفيات فلا يتم إدراجهم ولا تستخرج تصاريح لدفنهم، كما لا تسجل المواليد في أي سجلات نظرًا لعدم توافر بطاقات، وبالتالي لا تعليم ولا تعلم، فالجهل يخيم على كل الأجواء وهذه كارثة إنسانية واجتماعية.
بينما أوضح هلال الدندراوي نائب رئيس حزب التجمع بأسوان، أن أشهر القبائل بالمنطقتين هما "العبابدة والبشارية" وهما من القبائل العربية المتواجدة في الجبال الشرقية بين مصر والسودان، لهم صلة نسب وقرابة بنفس العائلات بأسوان وجبال السودان، وهم قبائل رُحل ليس لهم مكان جغرافي ثابت، يتنقلون بين الوديان والجبال بحثًا عن الماء اللازم لتجارتهم التي يعيشون عليها من رعي الأغنام والإبل.
وعن كيفية التعامل مع تلك الحياة البدائية قال "هلال" إن هناك مَن يدعى بـ"قصاصي الأثر" يسكنون الجبال ويكون لديهم معرفة كاملة بطبيعة المناطق والجبال والصحراء وأسماء العائلات وتسلسل الأنساب وهم البوصلة الحقيقية والمصباح للأهالي هناك يتحركون طبقًا لظروفهم المعيشية، فهم بعيدون عن الحضر والتوثيق نتيجة ثقافتهم البدوية وعدم الاستقرار الذي يجعلهم يتنقلون من يوم لآخر.
وعن دور الحزب في احتواء أزمة تلك الفئة من المواطنين، أفاد هلال أن الحزب نجح في التواصل مع بعض القبائل هناك وتم بناء وحدات سكنية بالتعاون مع المحافظة حتى يتوافر عامل الاستقرار، كما تم ترفيق الطرق، وتم توفير شحنات كبيرة من الدقيق الذي هو مصدر الحياة بالنسبة لهم ومصدر الغذاء، مؤكدًا أنهم ما زالوا يحتاجون الكثير من الخدمات الطبية والتعليمية والتثقيفية، مع إمدادهم بآلات زراعية حديثة تمكنهم من الزراعة إلى جانب استقطابهم وتغيير الثقافة السائدة لديهم بأنهم دولة بذاتهم وأنهم مرفوضون من المجتمع الحضري.

وأشار "هلال" إلى أن طبيعة المجتمع هناك تجعله يرفض تمامًا المشاركة في أي مبادرات، فشيخ القبيلة هو الحاكم الآمر بالنسبة لهم وأمره نافذ وبالتالي هم يرفضون الانصياع لقرارات خارجية أو تعزيزات أمنية، فعلام يؤمنون وهم يعيشون في كل وادٍ بضعة أيام ولا يكلفهم الأمر إلا نصب الخيام وإشعال النار والحطب وذبح الماعز والرعي ولا يريدون المزيد.
أما عن مشاكل النساء على وجه التحديد، تحدثت الدكتورة نهاد أبو القمصان، رئيس المركز القومي للمرأة قائلة: العادات والتقاليد والموروثات القبلية لدى سكان هذه المناطق بمثابة قرآن منزل، الخروج عنه كبيرة، ومرفوض تمامًا أن يتم استخراج بطاقات للنساء ويعتبرونها سُبة، إلى جانب رفضهم التام أن تتكشف نساؤهم على أطباء غير أن الحديث مع الرجال يكون من وراء حجاب، لا يوجد أي اهتمام بالصحة ولا وحدات صحية هناك، فلكِ أن تتخيلى أن يمرض ابنك فتضطرين للسفر لمحافظة أخرى ليتم الكشف عليه، لا توجد أي مدارس، جهل تام وأمية تفقدهم القدرة على معرفة الحقوق والواجبات أو الصواب والخطأ، الخدمات تكون منعدمة وللأسف المجلس القومي للمرأة يولي اهتمامه فقط بسكان الحضر ومنهمك بالانتخابات والبرلمانيات فقط.
فيما ذكر مدحت راشد مدير عام الإعلام بالمجلس القومى للمرأة، أن المجلس وفّر مكتبًا لتسجيل البيانات بالمنطقتين كـ"سجل مدني مصغر" نتلقى فيه الأوراق، ويتم تجميعها وتوثيقها إلا أن الاستجابة قليلة للغاية من السكان.

وعلى صعيد متصل، قالت الدكتورة عزة كامل مدير مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية، من حق هؤلاء المواطنين أن ينعموا بما ينعم به غيرهم من حقوق حتى تستطيع الدولة محاسبتهم عند الخطأ وإلا اختل ميزان العدالة، مؤكدة على خطورة ترك هذه المناطق النائية التي ينتشر فيها الفكر المغلوط الذي يفرز فيما بعد مطاريد ومتطرفين فكريًا، إلى جانب منحهم كل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، حتى لا نعاني فيما بعد من انعزالهم وسخطهم على المجتمع ومعاداته.
من زاوية أخرى أكد الدكتور محمد الرخاوي، أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس، أنه لا تأثير نفسي مطلقًا ينتج عن غياب الدولة لدى هؤلاء، لأن دولتهم هي القبيلة ومن فيها، وقانونهم هو العرف والتقاليد وبالتالي هم في حالة اكتفاء ذاتي، فضلًا عن أنهم لا يعلمون شيئًا مما يحدث ولا يبالون بالعنف أو السلم طالما أنهم قادرون على حماية ذويهم وينعمون بسلام داخلي، أما ما يحدث في "الكوكب" الآخر الحضر، فلا يشغلهم.
فيما رأى محمد زكريا، مدرب التنمية البشرية، أن الحل لأزمة هذه النوعية من المواطنين يكمن في ضرورة تكسير العادات وتغيير الاعتقادات بأن العادات ليست دينًا يجب اتباعه ولا كفر الخارج عنه، مع طرح نماذج إيجابية للنساء عن نساء مثيلات تحدين العادات والتقاليد ونجحن واحترمهن المجتمع واستقبلهن أهاليهن بالتصفيق، وشرح مزايا أن تصبح البنت متعلمة وصاحبة مكانة مع التمسك بالخلق وأنه لا علاقة للمظهر الخارجي بالتكوين الداخلي، وأن يتم اللعب على وتر "أنهم شركاء" في الوطن، وأن الوطن يحتاج لتفاعلهم ومشاركتهم ووجودهم وأن لديهم الكثير من الحقوق في انتظارهم من شأنها تغيير مسار حياتهم للأفضل.