السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مجددون ابتعدوا عن الذاكرة (2)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ونحاول استكمال مطالعتنا لبعض الافكار التجديدية لقاسم أمين والتي ربما أخفيت عن عمد تحت الادعاء بأنه مجرد نصير للمرأة بينما كنوزه مليئة بالانتصار للعقل والعلم وصحيح الدين. ويقول قاسم أمين مؤنبا "لا يوجد سبب في بقاء الميل للتمسك بالماضي إلا شعورنا بأننا ضعاف عاجزون عن إنشاء حالة خاصة بنا، تليق بزماننا، ويمكن أن تستقيم بها مصالحنا، إنه صورة من الاتكال علي الغير وكأننا نقول لأنفسنا لا داعي للعناد فليس بالامكان أن نأتي بأبدع مما كان. وهذا الداء يجب أن نبادر إلي التخلص منه بأن نربي أولادنا بأن يعرفوا شئون المدنية الغربية وأصولها وفروعها وآثارها" (الاعمال الكاملة – جزء 2 – ص 203) ثم يشن هجومه الساحق علي نظام الخلافة "فهو خال من أي مظهر من مظاهر النظم السياسية الديمقراطية، فمهما دققنا البحث في التاريخ الإسلامي لا نجد عند أهل تلك العصور ما يستحق أن يسمي نظاما فقد كانت حكومتهم عبارة عن خليفة، أو سلطان غير مقيد النفوذ، يحكم موظفين غير مقيدين" ويقول ردا علي مخالفيه "يقولون أن الخليفة كان يُولي بمبايعة أفراد الأمة، أي أن سلطته مستمدة من الشعب، لكن هذه السلطة التي يتمتع بها الشعب لبضع دقائق فقط هي سلطة لفظية، والحقيقة أن الخليفة كان وحده صاحب الأمر. والحقيقة أن اسلافنا كانوا لا يعرفون شيئا عن العلوم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فما الذي يمكن أن نستعيده منهم" (المرجع السابق- ص207). ثم مضي داعيا إلي نظام ديمقراطي بمعناه الاوروبي بما فيه كفالة الحريات الفردية كحرية الرأي والفكر والمعتقد، والحق في التبشير بأية فكرة ونشر أية عقيدة" ويمكن القول إن قاسم أمين كان بهذه الكلمات يتنفس رحيق طبقة صاعدة هي الطبقة الوسطي المصرية التي استشعرت تناقضاتها سواء مع الفكر السلفي القديم أو مع الجمود المخيم علي طبقة كبار الملاك العقاريين أو العناصر التركية التي تراكمت بقاياها محتمية بالقصر الخديوي .. وفوق هذا كله. التناقض مع قوى الاحتلال وعملائها والمستظلين بظلها، وفي هذا الاطار يمكن أن نفهم اصرار قاسم أمين علي حق الانسان في طلب تغيير الاوضاع القائمة ومعارضة ما يراه مختلفا مع وجهه نظرة واخضاع كل شيء للنقد وحق الانسان في أن يستمد مواقفه من العلم وما يراه موافقا للعقل، بل وأن "لا يخاف أحد في بلد حر من أن ينكر ما هو مألوف ومتوارث من افكار ومسلمات وتقاليد وعادات" فهو يري أن "من أسباب نكتبنا أن نربط حياتنا بالتقاليد التي لم نعد نفهمها ولا نستسيغها، وان نتمسك بها فقط لأنها أتت إلينا من الماضي".
( نقلا عن : هشام شرابي- المثقفون العرب والغرب- ص102) وقد كانت هذه الافكار هي الأساس الذي إقتاده للدفاع عن حرية المرأة فهو يقول "في كل مكان حط فيه الرجل من منزلة المرأة وعاملها معاملة الرقيق حط في واقع الأمر من نفسه وافقدها وجدان الحرية، ففي البلدان التي تتمتع فيها النساء بحريتهن الشخصية يتمتع الرجال بحريتهم السياسية، فالحالتان مترابطتان" (الاعمال الكاملة – ج2-ص124).
وبعد هذا هو قاسم أمين الذي لم نعرفه من قبل، شاء البعض ربما عن عمد متعمد إخفاء الاصل الفكري والعقلي المتحرر والمجدد للرجل واكتفي برافد واحد هو الدعوة لتحرير المرأة. في حين أن قاسم أمين اكد أن عبودية المرأة إزاء الرجل هي عبودية ايضا للرجل إزاء الحاكم.
إنه قاسم أمين آخر غير الذي سمح لكم أن تعرفوه، ولعله دليل علي أن تاريخ المجددين ربما يطمس عن عمد.