السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"الغارمات".. بريئات يدفعن ثمن فقرهن خلف القضبان.. "صباح وسعاد وأم الزرق" أمهات دفعهن الطلاق وهروب الآباء مع مسئولية الأبناء للاستدانة.. والجهل وعدم الخبرة أوقعهن في فخ القروض المتعثرة

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"الغارمات".. خلف قضبان السجن جلسن لا يملكن إلا البكاء والدعاء، فالجريمة لم تكن سرقة ولم تكن قتل أزواج ولا أي جريمة مخلة بالشرف، وإنما كان الفقر جريمتهن، أمهات لا يملكن قوت صغارهن، بعدما لحقتهن نكبة الطلاق وتقاعس الزوج عن الالتزام بالنفقات، في ظل ظروف قاسية ملحة تطالبهن بالمزيد من المال لتجهيز البنات أو سداد الإيجارات المتأخرة أو إقامة مشروع يعينهن على الحياة، اقترضن فغلبهن الدين ولم يجدن أي أيادٍ بيضاء تساعدهن على الوفاء بها، فكانت النتيجة الحتمية الامتثال لأمر القضاء والجلوس خلف القضبان، أمام منظمات أبت المصالحة وفضلت معاقبتهن على جريمة الفقر.
(صباح.م) امرأة خمسينية لم يكن اسمها مدرجًا ضمن المسجلات خطر يومًا ما، ولم تقم بالسطو المسلح على أحد المحال التجارية، فقط قررت أن تقترض مبلغ 20 ألف جنيه بفائدة قدرها 18% سنويًا، من أحد البنوك كي يتسنى لها مباشرة مشروع "المخبز"، الذي كان الطريق الوحيد أمامها وظنت أنه سيكفل لها ولبناتها حياة كريمة، ولكنها لم تستطع أن تصمد كثيرًا أمام المصروفات التي خرجت عن توقعاتها، ما جعلها تتخلف عن دفع القسط الشهري البالغ 1320 جنيهًا، بعد مرور خمسة أشهر على القرض، ومن ثم توقف المشروع وتراكمت عليها الديون.
حكت "صباح" قصتها قائلة: "بعد انفصالي عن زوجي كنت أحل ضيفة أنا وأبنائي على بيوت إخوتي حتى شعرت بالحرج الشديد، خاصة أن طليقي رفض دفع أي نفقات لي أو لأبنائي منذ 5 سنوات فضلًا عن أنه قام بسرقة محل التموين الذي كنت أمتلكه وجعله خاليًا من البضائع تمامًا بعد إدمانه المخدرات، وهو السبب الذي جعلنى أطلب الطلاق وأبدأ رحلة عذاب جديدة بثلاثة أطفال في مراحل تعليمية مختلفة، بعدها قررت الاقتراض لكن الديون لاحقتني.



وتابعت السيدة الغارمة أنها لم تقدم دراسة جدوى للمشروع لثقافتها المحدودة بهذه الأمور، كما أن البنك لم يطلب منها أي دراسات قبل منحها القرض، مكتفيًا بوجود أخيها كـ"ضامن"، وللأسف عدم وجود دراسة جدوى كان سببًا في فشل المشروع وتضخم الديون وعدم وفائها بأقساط القرض، لأنها لم تحسب التكاليف ولا المصروفات، وما زالت قضية الطلاق منظورة أمام المحاكم. 
وأضافت "صباح" أنه لم يكن في مقدورها دفع أتعاب المحاماة ولم يكن يعلم كيفية التصالح مع البنك، حتى أخبرها "ولاد الحلال" أن هناك جمعيات تساعد مَن هم في نفس حالتها لذا لجأت لإحدى منظمات حقوق الإنسان العاملة التي قامت بالدفاع عنها حتى حصلت على البراءة.
أما "سعاد أحمد" 42 سنة، فلجأت هي الأخرى للاقتراض من أحد البنوك مبلغ 25 ألف جنيه، لتمويل مشروع محل ملابس جاهزة، يساعدها على أداء رسالتها مع 4 بنات وولد بعد رحيل رب الأسرة.
وتقول سعاد: "بعد 9 أعوام من رحيل زوجي ومن المعاناة والعمل في كل المجالات كبر البنات وتمت خطبة الابنة الكبرى وظلت مخطوبة 3 سنوات والجيران أكلوا وشي" والكلام كتر، فقررت أن أقدم على قرض وبالفعل حصلت عليه بعد معاناة ولكن الأولويات حكمت بأن أنفق القرض على جهاز ابنتي وأن أصرف نظر عن المشروع في الوقت الذي كانت ديون الأقساط تتراكم بشكل جنوني دون أن أشعر بالوقت حتى قام البنك بتقديم الإيصالات للمحكمة.
"أم الرزق" 45 عامًا، لم تحمل نصيبًا من اسمها، فهي الأخرى مطلقة وتعول 5 أبناء، وتعمل بأحد الفنادق، نظير راتب شهري 250 جنيهًا، ما جعل يدها مغلولة في الإنفاق على صغارها، لذا اضطرت لعمل قرض قيمته 5000 جنيه عام 2012، من خلال جمعية "سيدات الأعمال".



وبينت "أم الرزق" أنها اقترضت المبلغ لشراء التنجيد وفستان الزفاف والكوافير لإتمام عُرس ابنتها وليس لإقامة المشروع، مضيفة: "الحمد لله زوجت البنت ولكني لم أستطع الوفاء بالأقساط، فراتبي كان يغطي الإيجار الشهري 75 جنيهًا وأدوية الضغط والأنسولين بـ"العافية"، لذا تزايد الدين من 5000 إلى 6600 جنيه ما جعل الجمعية ترفع دعوى قضائية ضدي، حكم فيها بسجني 4 سنوات حتى بعث الله لي رجلًا خيرًا دفع لي أصل الدين وأجرى مصالحة مع الجمعية".
وعن أسباب تعثر الغارمات، أفادت "نجلاء عبد الرؤوف" مدير المشروعات في جمعية "نهوض وتنمية المرأة" وهي جمعية معنية بتقديم القروض الصغيرة، أن الكثير من المقترضات لا يحسبن التكاليف الحقيقية للمشروعات، بالإضافة لعدم فصلهن المال العام عن الخاص فضلًا عن إنفاق البعض القروض على إجراء تشطيبات بالمنزل أو تجهيز بناتهن، فيتفاجأن بأن القرض تم صرفه دون القيام بالمشروع.
وأوضح "معتز الطباع"، المدير التنفيذي لجمعية شباب الإسكندرية، إحدى الجمعيات العاملة في مجال الإقراض متناهي الصغر، أن معظم النساء المقبلات على القروض غير متعلمات مما يسهل استغلالهن، معتبرًا أن ما انتهجته الجمعية من تدريب يتم بشكل إجباري لهؤلاء النساء حال حصولهن على القرض، أمرًا كان ضروريًا لتوعيتهن ومساعدتهن على الحفاظ على المال المقترض وعدم إنفاقه ضمن النفقات اليومية.
وأشار" الطباع" إلى أن الفوائد على القروض بالجمعية تختلف من مشروع لآخر، فالقروض التي تزيد على 250 جنيه يتم سدادها في فترة أقصاها 40 أسبوع بفائدة 22%، بينما القروض التي تبدأ من 750 حتى 2000 جنيه، فتتراوح أقساطها ما بين 15 إلى 30 قسطًا تسدد كل أسبوعين، أما القروض الأكبر فتكون بأقساط شهرية وفائدة 15% سنويًا. 
وقال "محسن محجوب" أمين صندوق مؤسسة مصر الخير، إن المؤسسة نجحت في الإفراج عن 14 ألف غارمة منذ 2011 وحتى الآن، غير أن المؤسسة تساعد هؤلاء الأمهات حاليًا على إقامة مشروعات تدر عليهن دخلًا ثابتًا يجعلهن نساء منتجات بدلًا من خريجات سجون، مؤكدًا أن قصص هؤلاء النساء كلها كفاح وصبر وجَلد، وأن الحاجة هي من أوقعتهن في الديون والسجن.
وعن جواز الزكاة ودفعها للغارمين والغارمات، أكدت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر، أنه لا غضاضة في دفع الزكاة للغارمين، وهو من باب أولى لدفع الضرر عنهم وتجنيبهم الحبس وخلافه.