رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

انتحار أمة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الجيش المصري لا يزال قادرًا على السيطرة على الوضع الأمني والاقتصادي؛ بل أصبحوا من أهم التحديات التي تواجهها الدولة في تلك الفترة الحرجة، وأصبح الوضع على شفا حفرة إن لم يعي شباب هذا الوطن خطورة إرهابهم، فلا مبرر على الإطلاق لكل ما يحدث الآن من شغب وفوضى وخيانة لمصر إلا الاستهتار من قبل الشعب وضعف الحزم والحسم من الإدارة السياسية في اتخاذ القرارات المصيرية لشعب قوامه 90 مليون نسمة، عاش مرفوع الرأس بكرامة الفراعنة وتاريخهم العظيم على مدى 70 قرنًا، بل لم يعد الفقر هو المبرر الأوحد لتجاوزات هؤلاء الشباب المخربين، فالعداوة وشذوذ النفس وكرهها في السلام أصبح جليًا ليندرجوا تحت مسميات الجرائم الشاذة التي أصبحنا نسمع عنها مذهولين في زمننا الحالي مثل قتل أم لابنها من أجل عشيقها، أو قتل أب لأبنائه خوفًا عليهم من الفقر وجرائم الشرف وزنى المحارم... إلخ .. فالخطورة لم تعد تمس مصر وحدها بل إن المنطقة العربية بأكملها في وضع خطر جدًا فلم تمر سويعات من تولي ملك المملكة سلمان بن عبد العزيز إلا وصرحت ألمانيا إحدى دول أوروبا الكبرى بأنها ستمنع تصدير سلاح للمملكة لأنها منطقة يسكنها الإرهاب، ولا أعلم كيف لمنطقة تجاوز تلك المحنة والقضاء على الإرهاب دون القدرة على التسلح للتصدي للمنظومة الإرهابية ؟؟!!!!..
لقد كان من الواضح في مصر منذ فترة طويلة أن نحو 40% من أفراد المجتمع يعيشون على دخل يقل عن دولارين في اليوم، وعلى الرغم من عدم توفر أرقام موثوق بها، فإن هناك اعتقادًا واسعًا بأنه منذ عام 2011، ارتفعت نسبة الفقراء بدرجة كبيرة من 40% إلى 60% وفي الوقت ذاته، انكمشت قدرة الدولة على توفير شبكة أمان وأصبحت الأعمدة الثلاثة التي يقوم عليها الاقتصاد المصري تحت ضغوط متزايدة.. وكانت الضحية الأولى هي الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث أصابت الاحتجاجات المستمرة والعنف المنتشر في جميع أنحاء مصر المستثمرين بالقلق، مما أدى إلى تجفيف الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي كانت في السابق أحد أعمدة اقتصاد الدولة، ولم ينخفض حجم الاستثمارات فقط، بل وأيضًا في عام 2013 هاجرت استثمارات بقيمة أكبر من ثلاثة مليارات دولار من البلاد، أما العمود الثاني للاقتصاد المصري "السياحة" التي كانت تمثل نسبة تتراوح من 10-15 في المائة من إجمالي النشاط الاقتصادي، شهدت انهيارًا وانخفضت نسبة الإشغالات في شرم الشيخ المقصد السياحي في جنوب سيناء إلى 36% وفي الجهة المقابلة من القناة في محافظة البحر الأحمر، أغلقت ثلث الفنادق التي كان عددها يصل إلى 250 فندقًا أبوابها.. ومع غياب أعداد كبيرة من الصحفيين، يغيب عن القاهرة أيضًا الأجانب الذين ينفقون الأموال وحتى قبل اندلاع أحداث العنف الكبرى في أغسطس (آب) عام 2013 في مصر كان البنك الدولي قد وضع مصر في المرتبة رقم 140 وهي الأخيرة في العالم بعد باكستان واليمن فيما يتعلق بسلامة السياح، ويتعرض العمود الثالث للاقتصاد والمتمثل في إيرادات قناة السويس التي تصل إلى خمسة مليارات دولار سنويًا، للخطر أيضًا ففي عام 2012 مرت أكثر من 17 ألف سفينة عبر القناة، ولكن مؤخرًا قل عدد السفن التي تعبر الممر الملاحي، مما أدى إلى انخفاض الإيرادات، وهو الاتجاه الذي دفع السلطات المصرية في عام 2013 إلى رفع الرسوم وهو التطور الذي قد يسفر عن تداعيات كارثية على مصر والتجارة الدولية مع الأمل بالمستقبل لمشروع الخط ملاحي لقناة السويس والارتقاء بالشعب وسد احتياجاته وتخفيض نسبة البطالة.
 وهكذا ترث مصر ما أهملته سابقًا من تدني مستوى التعليم والصحة وكرامة المواطن، فنشأ جيل يكره نفسه قبل أن يكره من حوله، وأصبح شنق نفسه والانتحار أهون عليه من محاولة التعايش أو العيش تحت مظلة الوطن؛ بل إن التقصير في تقديم الوعي الكافي للمعنى الحقيقي لحب الوطن كان غائبًا تمام الغياب حتى غاب عن تلك الأجيال أهمية الوطن وكرامته وما زال الخوف قائمًا على المستقبل تحت ظل هذا التباطؤ المتعمد في كبح خطورة الإرهاب ومحاولة علاج مشاكل شباب هذا الوطن المرهق بأفعال أبنائه من جحود وغدر.. فالذين ورثوا الإرهاب أصبحوا يؤمنون أنهم أصحاب قوة وأصحاب حق لأنهم لم يجدوا بديلًا لرفع هذا البلاء الذي ألم بهم دون وعي، فماذا بعد كل هذا الانهيار الاقتصادي الذي أصبح يعاني منه الغني قبل الفقير؟، فالمنطق هو الذي يؤكد أن كل الانهيارات الأخلاقية مترتبة على هذا الانهيار الاقتصادي ولن تجد مصر مكانًا لها في المؤتمر العالمي هذا العام لما تمر به من إرهاب وتجاوزات، فبعد كل تلك المقاومة التي يقاومها الشعب المصري للتصدي للإرهاب نطالب الدول الكبرى بالتضامن معنا ضد هذا الارهاب الذي دمّر كبرى دول المنطقة العربية تزامنًا مع تضامن مصر وبقية الدول في التواجد بباريس عقب أحداث "شارلى إيبدو" التي راح ضحيتها 13 فردًا، والاعتراف بأن ما نعانيه في وطننا إرهابًا حقيقيًا لا بد من القضاء عليه بأسرع وقت ممكن.