السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أين تقع في الخارطة أوروبا؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعرف أنه قد مضى أسبوعان علي وفاتها. فاتن حمامة. وأعرف أن الدنيا حولي مليئة بالكوارث التي تستدعي الكتابة. ولكن كما كانت سيدة الشاشة العربية تأخذنا أطفالا وصبية وشبابا إلي عالم من الأحلام والبهجة والألم، أذهب إليها اليوم. في صدري معني حقيقي وهو أن الزمن يطوي الفنانين والمبدعين كما يطوي غيرهم، لكن الزمن لايدرك أنه وهو يفعل ذلك يكون المبدعون والفنانون قد تركوه خلفهم في أعمالهم. هكذا ينتصر الفن والإبداع علي الزمن الذي لا ينتصر عليه أحد. والذي يشاهد أفلام فاتن حمامة سيري أمة وتاريخا للأمة وروح الأمة في نصف قرن من الزمان منذ الأربعينيات والأفلام الرومانسية إلي الخمسينيات والستينيات والسبعينيات والأفلام الواقعية التي تقلب الحياة علي وجوهها. من النضال السياسي إلي الاجتماعي. وبين ذلك كله تطل دائما فاتن حمامة بوجهها الوديع المريح وبسمتها أو حتي غضبها الطفولي العذب الذي ينقلك علي الفور إلي مشارف الروح. جيلي كان أسعد حظا أنه رأي كل أفلام فاتن حمامة في السينما بينما رأتها الأجيال التالية في التليفزيون. والسينما دائما أجمل فرؤية الأفلام بين الناس لها بهجتها والإحساس بها أعظم بل هو الإحساس الطبيعي مع رؤية الأفلام. وذكرياتي كثيرة مع أفلامها وأفلام غيرها طبعا مثل شادية وهند رستم وسعاد حسني ونادية لطفي. ولا يكفي كتاب لهذه الذكريات. بدءا من الخروج من البيت ورحلة الذهاب القصيرة مشيا أو بالترام إلي السينما، إلى الفيلم نفسه إلي الخروج إلي الفضاء الأرحب والفيلم يضيء الدنيا حولك إذا كان الحفل ليلا أو يزيد النور فيها إذا كان الحفل نهارا. حزني عليها كان كبيرا لفقدها ولأنها بالرحيل استعدت أنا زمنا وبشرا ضاعوا من حياتي أو ضعت من حياتهم . رأيتهم كما كنا أطفالا أو صبية أو شبابا ولم أنتبه إلي الشيخوخة وما كان لها أن تظهر، وأنت تري ما اختفى في طي الزمن يقف أمامك. ترى الشوراع الخالية وتسمع الأغاني الجميلة إذا اقتربت من المقاهي وتري الترام النظيف شبه الخالية وتري الزحام المفاجئ الكبير علي السينما إذا كانت من الدرجة التانية أو التالثة. وماذا فعلت وأصدقاؤك للحصول علي التذكرة وسط الزحام. كل ذلك وغيره تداعي عليّ فزاد حزني رغم إيماني بالقدر والزمن الذي يمضي لا يقف عند أحد. تذكرت وضحكت حواراتنا صبية حول فيلم صراع في الميناء وسعادتنا بنطق الممثلين للهجة الإسكندرانية رغم أنهم كانوا يخطئون بها. في كل أفلام يوسف شاهين خطأ في اللهجة الإسكندرانية رغم أنه إسكندراني . السكندريون يتحدثون بضمير الجمع فيقولون إحنا بنقولوا أو بنعملوا والمتحث واحد. أو يقولون أني بنقول لك أو أني بنعمل لك والمتحدث أيضا واحد. وفي الحالتين يوافق الفعل الفاعل. "إحنا بنقولولك" أو "إني بنقول لك" ما ينفعش تقول كما فعل يوسف شاهين دائما"أني بنقولو لك "لازم إحنا أو "أني بنقول لك" رغم ذلك كنا سعداء. أما سعادتنا الكبر ونحن صبية فكانت مع أغنية آلو آلو إحنا هنا. حين تقول مع شادية "أين تقع في الخارطة أوروبا. تقع علي شمال كوبري القبة" أو"فين صحراء مصر الغربية؟ بعد الرست هاوس بشوية "كنا نري مدرس الجغرافيا فنضحك ونهمس أين تقع في الخارطة أوروبا. ورغم ابتعاد الزمن فأري هذه الإجابات مناسبة جدا لما يحدث حولنا اليوم. فلا إجابة مقنعة من مسئول. الفارق أن فاتن وشادية خفيفتا الدم. رحم الله فاتن حمامة أثارت أشجاني بوفاتها كما أثارت حبي للحياة بأفلامها التي تحتاج كتبا للكتابة عنها.