الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ليس بالبيانات وحدها تُنقذ مصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كأنك تقبض على جمر مشتعل.. لا تملك أن تلقيه بعيدًا.. ولا أن تحمي جلدك من الاحتراق.. هكذا حال من يحمل قلمًا أو يطل عبر نافذة فضائية يحلل ويقرأ واقعًا متجاوزًا للأزمة ومتجاوزًا للمرارة، لم يعد لحصافة الكلمة مكان، وتاريخ صلاحية التفاؤل انتهى مع شراسة التعامل مع المسيرات الاحتجاجية التي انطلقت صوب ترسانة الاتحادية، والتي أعادت إنتاج ما شهدناه قبلاً، فعلاً وردًّا، من 25 يناير 2011، وهي تأخذنا مجددًا إلى 11 فبراير.
وسط هذا تبادر القوى الوطنية الأمينة بإصدار بيان تحت مظلة مشيخة الأزهر لنبذ العنف، احتشد برؤى طوباوية ليست بغريبة على مؤسسة عريقة تصارع الاختطاف وتؤكد على دورها الجامع والحاضن للوطنية، ومعها الكنيسة المصرية بأطيافها.
لكن السؤال: هل تكفي البيانات الطوباوية لتفكيك الأزمة واستعادة مصر وفتح مداخل تؤهلنا لإنقاذ البلاد والعباد من مخاطر الانفجار والدمار؟
هل لغة الوعظ والإرشاد يمكن أن تجد مكانًا في ذهنية العنف والاستئثار؟ هل المواءمة والمساواة بين الفاعل والمفعول به مناسبة للظرف واللحظة؟ هل يمكن أن ننتظر نتائج إيجابية لبيان نبذ العنف في مناخ مفارق للحس المصري؟ ماذا نقول إزاء الإصرار على تفريغه من مضمونه، وتصديره لامتصاص غضب الشارع، على طريقة “,”أصدروا ما تشاءون من بيانات نصحًا وشجبًا ونفعل نحن ما نريد“,”.. وربما يكون شعارهم: “,”جئنا لنبقى“,”، وقد تجمدت الشرعية عند لحظة صندوق الانتخابات..
وفي الخلفية نسترجع تجربة كل النظم الفاشية، ويتصدرها خبرة أودلف هتلر ونازيته.. ونستحضر تجربة الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجزائر، والتي حققت فوزًا ساحقًا في الانتخابات التشريعية في 26 ديسمبر1991 (188 مقعدًا من 231 بنسبة 82%)، وخرج رموزها بعدها ليبشروا الشعب الجزائري بأن هذه اللحظة هي آخر عهدهم بالديمقراطية، لتدخل الجزائر بعدها في نفق الصراع المسلح لسنوات طويلة تنتهي بعودة حكم العسكر.
ما زال الجمر يلهب القلم، وما زال الحزن يعتصر القلب، وليس أمامنا إلا مقاومة مواصلة البكاء على الوطن المصلوب، وطرح الحلول والمخارج عسى أن يبعث حيًّا، بقدرة وفعل الشعب المصري الأبيّ، وهو يملك ما هو أكثر.
ما حدث أمام قلعة الاتحادية يؤكد أن الحل لا يملكه الأمن على شراسته، ولا المعارضة التي تدور في فلك البيانات وتتحرك ببطء بيروقراطي عقيم، ولن تحله غضبة الشارع وانفجاراته، ولن ينعم أصحاب القرار والسلطة باستقرار والوطن على صفيح ساخن؛ لعل الأمر يتطلب أن تخرج دعوة جادة لحوار جاد موضوعي لا يتأسس على يقينية الإذعان التي يتبناها أصحاب القرار، ولا يمكن أن يقبل بحوار غير مشروط يتحول إلى فضفضة واستثمار يغازل صناديق الانتخابات البرلمانية، ولا يستأسد بقوة عاتية لم يبارح مخيلتها انكسارها أمام زحف وإصرار شباب أعزل، ويغازلها رغبة دفينة بالثأر.
ننتظر قرارات جراحية تعلن تجميد العمل بالدستور المختلف عليه، وتعليق أعمال مجلس الشورى، وترحيل انتخابات مجلس النواب إلى ما بعد استقرار الشارع، برهن التوصل الى أرضية مشتركة بين كل الفرقاء، وإحالة المسئولين عن إهراق دماء الشباب في الأيام الأخيرة بحزم وضمير إلى العدالة.
ووفقًا لقاعدة المسئولية السياسية ننتظر إقالة وزير الداخلية، ومعه مساعدوه من قيادات الميدان؛ لفشلهم في إدارة المشهد الدامي غير المبرر، والذي رصدته عيون الفضائيات وشهادات المتابعين على الأرض.
لسنا في حل أن نستمر في المكابرة والاستمساك بوزارة أخفقت في إدارة الملف الاقتصادي لمجرد أن يحسب هذا فشلاً في إدارة الدولة، وإحالته إلى التفسير التآمري على المشروع الإسلامي بجملته، فالمواطن العادي غير المُسيّس هو القنبلة القابلة للانفجار، بعيدًا عن التصنيفات التي تدور في أروقة الأحزاب والتكتلات السياسية، التي فارقها الحس بأنين الشارع، وفقدت قرون استشعارها، هذا المواطن ينوء كاهله عن حمل ضغوط يومه في قوته وحاجاته الأساسية التي تشتعل بشكل مذهل، والمسئولية تقع على من يديرون شئونه خلوًا من الخبرة والرؤية.
إذا كنا نريد حوارًا مجديًا وفاعلاً فلنشكل وبسرعة مجموعة عمل من رموز الكتل السياسية وأهل الخبرة؛ لوضع جدول أعمال لجلسات الحوار تحدد محاوره وقضاياه والمدى الزمني المطلوب، وترجمة نتائج الحوار إلى برامج محددة.
دعونا نتجاوز الحلول التقليدية بمطلب يختبر منطلقات السلطة الحاكمة الوطنية في ظرف غير مسبوق؛ بطرح مطلب أن يتنازل الحكام الجدد عن حقهم الدستوري في الاستمرار في الحكم لأربع سنوات، بأن يعلنوا قبولهم بفترة حكم انتقالية تتعهد بإعادة ترتيب الوطن من الداخل، وتهيئ الأرض لانتخابات رئاسية جديدة بعد سنة من الآن، ولعلهم يستحضرون تجربة الرئيس السوداني سوار الذهب غير المتكررة، الذي غالب شهوة السلطة وفضل مصلحة وطنه على مكاسبه الضيقة، ولعلهم يتأسون بالزعيم الإفريقى الرائع نيلسون منديلّا الذي أدار التعدد والتنوع والفرقاء لصالح الخروج إلى صدارة الاقتصادات المبهرة.
البديل كارثي، وقد يقود كثيرين للمثول أمام محكمة الجنايات الدولية، ويقود الوطن إلى تفتيت وشقاق يدعمه مطامع محلية وإقليمية ودولية، ويغلق الأبواب والنوافذ أمام رأب الصدع، وهو ما ينتظره خفافيش الظلام لنهش جسد وطن محل استهداف؛ لحساب قوى لم تبرح معطيات القرون الوسطى.