الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إسلام بلا ألغام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما بين الإلحاد الوافد على شبابنا والتطرف الذي سيطر على كثير منهم نعيش هذه الأيام، وحين يقوم علماء الاجتماع بتحليل تلك الظاهرتين فإنهم يبحثون عن الفقر والجهل وطريقة التعليم والتغريب والأمركة، إلا أن السبب الحقيقي ظل لسنوات بعيدا عن البحث الجاد وهو "الخطاب الديني" والصورة الذهنية التي تم تصديرها في الأذهان للإسلام والتي أصبحت ألغاما في طريق الدعوة الإسلامية، فحينما يقرأ الشاب من هؤلاء الحديث المنسوب للرسول صلى الله عليه وسلم والذي دسه أحد المنافقين الأشقياء على جامعي الأحاديث والذي يقال فيه: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم، وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى"! فيقع هذا الحديث المزور على الشاب من هؤلاء موقعا ما، فإما أن يصدقه ويؤمن به فيتحول إلى إرهابي يسعى لقتال الناس كلهم، أو يقع في نفسه موقعا سيئا ويظن أن هذا هو أحد نصوص الدين وأن الإسلام يدعو لقتال الناس حتى يؤمنوا به ، فيترتب على ذلك أن يخرج الشاب من هؤلاء من الدين بلا رجعة.
وعندما تجلس يا صديقي مع أحد الشيوخ المستنيرين لا تجده يُكذب هذه الأحاديث أو يرفضها ولكنه يسعى فقط إلى تجميل الصورة وتبرير الحديث، وكلما كانت استنارته أكبر كلما كان تبريره أرق وأهدأ وأوسع حيلة، يلقي كلماته وهو يبتسم، ويسوق عشرات النصوص التي تؤكد أن الإسلام دين الرحمة، وفي ذات الوقت يصر على صحة هذه الأحاديث الداعية للقتال مع أنها من مروية من بشر يرد عليهم الخطأ والنسيان والنفاق، ولكننا نعيش عبادا لهذه النصوص مع عدم صحتها، فلطالما قطع القدماء بصحة هذه الأحاديث فلا سلطان لنا عليها ولا طاقة لنا بتكذيبها.
وإذا ما قرأ الشاب من هؤلاء كتب التفاسير الأولى التي أعطيناها مكانة عليه تجدها وقد احتوت على أساطير مستمدة من علوم الأولين، فالأرض فيها مسطحة، وهي مركز الكون كله، والدنيا تدور حولها، يقرأون "والشمس تجري لمستقر لها" على أنها تدور حول الأرض المسطحة! والدنيا محمولة على قرني ثور وجسم حوت، وسيدنا آدم كان طويلا جدا لدرجة أنه كان يضع يده في البحر فيخرج حوتا فيرفعه إلى السماء لتصل يديه إلى الشمس فيشويه ثم يأكله، وأشياء أخرى لا يمكن لعقل أن يصدقها، ولأن المفسرين الأوائل حصلوا على قداسة من أجيالهم وأجيال تلتهم لذلك أصبح كلامهم وكأنه هو كلام الله، وإذا أردت أن تدحض تفسيرهم للقرآن وتأويلهم لآياته وتقول: إنه إنتاج بشري محض من عقول محدودة ومرتبطة بأساطير قرونهم ولا علاقة له بالنصوص الدينية الصحيحة وقف أمامك بعض الأنطاع يقولون لك: احذر يا أخي فإن لحم العلماء مسموم!.
فإن كنت تعتمد يا صديقي على التفاسير في فهم القرآن الكريم، فاعلم أن ما تقرأه للمفسرين ليس قرآناً ولا دينا وليس له أي وجه من الإلزام، إنما هو يا صديقي مجرد أفكار خرجت من عقل بشري ناقص، لنا أن نرفضها ونلقي بها في قاع البحر، ولكن الكارثة أن المدارس والمعاهد الدينية تعطي هذه التفاسير منزلة كبرى وتدافع عن الخرافات التي وردت فيها، ومن أسف أن كل الفهم الخاطئ للإسلام نتج من الأحاديث المزورة والتفاسير الأولى للقرآن، هذه هي الإساءات الحقيقية التي لحقت بالإسلام، هؤلاء هم من أساءوا للدين، هؤلاء هم من نقلوا لنا صورة مزيفة للرسول صلى الله عليه وسلم، هؤلاء هم من تسببوا في إلحاد الشباب، أو تطرفهم ووصولهم إلى درجة سفك الدماء على ظن من أنهم يتعبدون لله بالقتل، فتبا لمن صنع تلك الصورة للإسلام والإسلام لا يعرفها.