السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

في عيد الشرطة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا ينبغى أن تخفت أصواتنا عندما نحتفل بعيد الشرطة المصرية الباسلة، فى خضم احتفالاتنا بالذكرى الرابعة لـ25يناير 2011 التى غيرت الأوضاع وبدلتها من حال السكون إلى حال الحراك الدائم والمستمر.
ذلك الركود الذى أصاب الوطن قبل يناير تسبب فى هذا الحراك- الذى لولاه ربما لم نفز برئيس مستنير لديه هذا الوعى والضمير والسعى الجاد لبناء دولة حديثة- بل لربما اختلف وعى عبدالفتاح السيسى ذاته بضرورات اللحظة لو قادته الاقدار لنفس المنصب فى ظرف تاريخى مغاير وسياق سياسى واجتماعى مختلف.
على أى حال تبقى الشرطة المصرية البطل الرئيسى للحدث، لنرجع قليلا إلى الماضى قبل 63عاما، 25 يناير من عام 1952، فى ذلك اليوم أثبت جهاز الشرطة أنه ابن شرعى للدولة الحديثة التى تأسست مع محمد على باشا، وامتداد أصيل لما عرف بديوان الوالى الذى أنشئ عام 1805م لضبط الأمن فى المحروسة، ثم نظارة الداخلية المؤسسة عام 1857م تحت إمرة ناظرها، تحسين باشار شدى.
ولذلك معانٍ عميقة، فشرطة الدولة تحمى هيبتها تماما كما تحمى مواطنيها، وهذا ما جعل ضباط البوليس المصرى يصمدون فى مدينة الإسماعيلية ببنادقهم البدائية أمام دبابات ومدافع قوات الجيش البريطانى، ويقدمون أكثر من 50 شهيدا و80 مصابا، ويواصلون المقاومة حتى آخر رصاصة لتزج بعدها قوات الاختلال بأغلبهم فى غياهب السجون والمعتقلات.
كان ذلك العمل البطولى البداية الحقيقية لثورة يوليو التى انطلقت بعد ذلك اليوم بستة أشهر.
15يونيو 2013 يوم آخر من أيام الشرطة المصرية الباسلة، لا أدرى لماذا لا نتذكره رغم أن البطولة فيه لا تقل بأى حال عن بطولات 25 يناير 1952م؟!
فى ذلك التاريخ اجتمع نحو ألف ضابط بنادى الشرط برئاسة اللواء صلاح زيادة وبمشاركة وتنسيق مدير مباحث الجيزة وقتها وعضو مجلس إدارة النادى اللواء محمود فاروق، وهتفوا جميعا "يسقط يسقط حكم المرشد" وفى نهاية الاجتماع صدر بيان تاريخى أعلن فيه ضباط الشرطة انحيازهم للدولة المصرية ورفضهم المسبق لأى أوامر تقضى بمواجهة المتظاهرين فى الثلاثين من يونيو.
ترى ما هو مصير هؤلاء الضباط الذين هتفوا ضد حكم الإخوان وهم فى سدة الحكم لو فسدت 30يونيو؟! لا بد أن عشماوى الإخوانى كان سينتظرهم أمام حبل المشنقة، وكانت مجزرة الإسماعيلية ستكرر على نحو أبشع بيد الاحتلال الإخوانى.
المصريون وجدوا فى ذلك البيان تغيرا جذريا فى وعى ضباط الشرطة وصحوة حقيقية لضمائرهم، وأدركوا أن ظلالا للدولة لم تزل قائمة، وأنها ستحمى إرادتهم فى وجه محتل غاشم اسمه "جماعة الإخوان المسلمين".
لذلك لا ينبغى أن تخفت أصواتنا أمام من يدعون الوطنية الزائفة ويتلاعبون بشعارات حقوق الإنسان ونحن نحتفل برجالنا البواسل، الذين لا يزالون يقدمون أرواحهم فداء للوطن.
فها هى صدورهم تثقب برصاص الإرهاب بينما نحن- ومعنا أولئك المدعون- ننام فى بيوتنا وإلى جانب أسرتنا المدافئ.
نعم، كانت لبعض رجال البوليس أخطاؤهم وهم أنفسهم معترفون بها، بعضها كان مرتبطا بطبيعة النظام السياسى فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ورغبته فى الاستمرار رغم تكلسه وفشله، وبعضها كان بسبب إهمال الجوانب التنموية والثقافية والاجتماعية لدى رجل الأمن كانسان، وتدنى رواتب أغلب أبناء جهاز الشرطة، خاصة الأمناء والأفراد والجنود.
لكن تذكروا لم نكن نحن أيضا شعبا من الملائكة والمستوى الأخلاقى لبعض رجال الأمن ليس سوى انعكاسا للمستوى الأخلاقى السائد فى المجتمع، فلم يؤت بهم من بلاد الواق واق، وفيما يخص تعاملهم مع المعارضين أيام مبارك، فقد شهدت بنفسى عشرات المواقف التى كانت تسعى بعض العناصر- لا سيما تلك التى كانت تنتمى لـ6إبريل والاشتراكيين الثوريين- وهى تستفز ضباطا فى سن آبائهم بالبصق فى وجوههم، حتى يفوز أحدهم إذا قبض عليه بلقب مناضل سياسى.
حسنا دعونا من الماضى، فثم تغير طرأ على وعى الجميع، لكن لنتفق أولا أن أخطاء بعض رجال جهاز الشرطة فى حق المواطنين لم تكن تعنى بأى حال من الأحوال أن هذا الجهاز برمته فقد وطنيته وانحيازه الكامل للدولة، وإلا لما كان اجتماع 15 يونيو- الذى أدعو إلى اعتباره عيدا آخر نحتفل فيه بصحوة الشرطة، وبدلا من اجترار عذابات الماضى فلنعمل على دعوة وزارة الداخلية إلى الاهتمام بتنمية وعى أبنائها ورفع مستواهم الثقافى والمعرفى، وليكن ذلك عبر برامج ثقافية يتم اعدادها بالتنسيق بين وزارتى الداخلية والثقافة ومؤسسات المجتمع المدنى المعنية، على أن تشمل هذه البرامج جميع أبناء الوزارة من ضباط وجنود وأمناء بل وموظفين مدنيين، فرجل الأمن المثقف مختلف بالضرورة ، والحق أننا جميعا نحتاج لمثل هذه البرامج، فكم من أطباء ومهندسين ومحامين ومدرسين وأساتذة جامعات يفتقدون الثقافة والمعرفة.
وهناك طرق أخرى لتقديم النموذج الصالح لرجل الأمن الذى يحتذى به زملاؤه، منها على سبيل المثال أن تصمم الوزارة لوحتين، إحداهما تسمى لوحة شرف والأخرى لوحة العار، على أن تعلق هاتان اللوحتان فى جميع الإدارات والأقسام التابعة لكل مديرية أمن، وتضم قائمة بأسماء الضباط أو من دونهم من أمناء وافراد وجنود أتوا فعال الأبطال، وقائمة أخرى بأسماء كل من ثبت ارتكابه جريمة تعذيب أو رشوة أو التحرش بمواطن من باب الرزالة واستعراض القوة، أو أساء لمهنته.
من واجبنا أن نحتفى بأبنائنا البواسل ونكرم من قدم حياتنا على حياته وقرر الموت من أجلنا، وإن كان ذلك واجبه وليس أقل من ان تسمى الشوارع والميادين التى سقط فيها رجال شرطتنا شهداء أو مصابين بإعاقات مستديمة كالبطل "ساطع النعمانى" ، بأسمائهم ليس لتخليدها فهى خالدة بالفعل، ولكن لتبقى حية فى ذاكرة الوطن، فهم من وقفوا فى وجه أخس الأعداء الذين يتخفون لقنص أرواحهم.