الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

العمل: أزمة وحل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى كل المدارس من أقصى اليمين إلى آخر نقطة فى قوس اليسار يحتل العمل مرتبة متقدمة فى بنيان منظومتها الاقتصادية، فلا يتصور أن يقوم اقتصاد ـ موجه أو حر ـ بغير عنصر العمل، ومن ثم لا يمكن أن نضع رؤية للخروج من نفق التراجع الذى كاد فى لحظة أن يسلمنا إلى انهيار اقتصادى دون أن نولى العمل ما يستحقه من اهتمام، بعيداً عن الشعارات والتحصن بالإيديولوجيات والاستغراق فى التوصيف، والبحث عن من نحمله التبعة والمسئولية عما صرنا إليه، بعد أن سيطر الهواة والانتهازيون على المشهد لعقود، كان الفساد عنوانها.
فالعمل هو المُنتِج للقيمة المضافة فى مشوار الاقتصاد، ومن ثم فهو عصب التنمية والتطور، ويستحق الأمر أن نضعه على مائدة الدراسة بشكل جاد ليتحول إلى هم قومى، نجمع له كل العقول والجهود لبحث الواقع ووضع الحلول الموضوعية لإعادة الاعتبار لقيمة العمل وضوابطه.
وقبل أيام طرحت هذا الأمر عبر مواقع التواصل الاجتماعى، فلقى تجاوبا واهتماماً من كثيرين، لكن الاستغراق فى توصيف الأزمة كان الملمح الغالب على التفاعل، والحوار، فالبعض أرجعها إلى مغازلة الأنظمة السابقة للشارع وتبنيها للنسق الأبوى الذى قتل المبادرة الفردية، ودفع الناس إلى التعلق بأهداب العمل الحكومى التماساً لوظيفة "ميرى"، فكان أن تضخم الجهاز الحكومى متجاوزاً المعايير العالمية ليصبح عبئاً ومعوقاً وسبباً رئيساً فى تفاقم العجز والتضخم، فضلاً عن تزايد معدلات البطالة المقنّعة.
والبعض ردها إلى الانقلابات الحادة فى توجه الدولة عبر أنظمة ما بعد 1952، من التوجه الاشتراكى ـ غير المكتمل ـ إلى تبنى آليات السوق الحر، وقد جاء عشوائياً بلا قواعد فيما سمى بالانفتاح، ووصفّه الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين بأنه انفتاح السداح مداح، ثم نقفز فى نظام ثالث إلى هاوية الفساد، فندمر ما بقى من التوجه الأول، ونخرب القاعدة الاقتصادية التى وعد بها التوجه الثانى، لحساب حفنة من رجال الأعمال، بغطاء من اللارؤية.
ويرى فريق ثالث أن غياب القانون الضابط لحركة العمل والضامن لحقوق العمال فى مواجهة تغول رأس المال، وغياب قوانين الضمان الاجتماعى الجادة والحازمة، ومنظومة التأمين على العمال بما يحميهم من غوائل الزمن وما بعد التقاعد، أو مخاطر العمل، كان وراء تراجع قيمة ومفهوم العمل لدى كثيرين، مما خلق أنماط خارج منظومة الاقتصاد الرسمى، حيث الإنتاج الموازى، والعمالة غير المؤمَّنة وغير المنتظمة، والمنتجات الرديئة التى لا تخضع للرقابة ومعايير الجودة.
وصرنا نعيش مشهداً عبثياً بامتياز، سوق العمل يبحث عن عمالة مدربة وملتزمة ولا يجد، وشباب يهربون منها وتكتظ بها المقاهى على مستويات متعددة تجمع بين الأحياء العشوائية والأحياء المتميزة، ويشكون من البطالة، ربما بسبب خلل فى الثقافة السائدة وتوهمات تدفع بالشباب إلى تصور معايير هلامية لا يرضون بأقل منها، وهو مشهد يحتاج لتحليل وتصحيح عاجل.
يقف التعليم متصدراً قفص الاتهام، ليس فقط لتراجعه الأكاديمى ومفارقته لمعايير الجودة، كتاباً ومنهجاً ومعلماً وأبنية تعليمية، وادارة، وامتحانات تكرس النقل لا الفهم، ومنظومة تدفع باتجاه التلقين، وتقتل الإبداع، وتُحرِّم تكوين العقل النقدى، فى سياقات الطاعة والحفظ والنسق الأبوى، فى غياب الرؤية القومية، وفى تعدد غير مفهوم للأنظمة التعليمية، حتى إلى وجود تعليم بصبغة دينية أحادية تحدث شرخاً غائراً فى المجتمع، إضافة إلى الفوارق الطبقية التى لا تسمح بوجود رؤية قومية تنعكس بالضرورة على المنتج التعليمى وتجانسه.
وتمتد قائمة الاتهامات للتعليم، فتُسأل عن موقع التعليم المهنى على خارطته، لتجده فى الدرك الأسفل، بعد أن كان هو الداعم للنهضة المصرية على امتداد القرن التاسع عشر ونصف القرن العشرين، وكانت المدارس الفنية الصناعية مفرخة الفنيين والعمال المهرة بل وصارت وحدات انتاجية نموذجية، وهنا يكون السؤال عن ارتباط التعليم ما قبل الجامعى باحتياجات السوق والمجمع معاً. فى الوقت الذى يشهد فيه الغرب تكاملاً بين الكيانات الصناعية والدولة فى الالتزام بإنشاء المدارس الفنية الملحقة بها والموفرة لاحتياجاتها من العمالة المدربة والمعدة علمياً.
فإذا كان العمل هو الأزمة فما الحل؟، هل نملك شجاعة الاعتراف بحاجتنا إلى البحث عن مخارج وحلول واقعية، بعيداً عن التنظير، هل نتبنى الدفع بأزمة العمل ليصبح محل اهتمام قومى على موائد منظمات العمل المدنى ومراكز الأبحاث، باعتباره باب الخروج من نفق التخلف؟.