الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

من رفح إلى باريس

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من مذبحة رفح الأولى والثانية فى مصر إلى مذبحة مجلة شارلى إيبدو فى قلب باريس، ثمة الكثير من العناصر المتشابهة التى تشترك فيها الجماعات الإرهابية رغم بعد المسافة بين الأولى أى رفح والثانية أى باريس، فالضحايا فى الحالات الثلاث لم يكونوا مسلحين، فى الحالة الأولى كان الجنود يتناولون طعام الإفطار فى رمضان وألقوا بأسلحتهم بجوارهم أما فى الحالة الثانية فكان الجنود عائدين إلى ديارهم فى إجازة بعد أن سلموا أسلحتهم، وفى الحالة الثالثة كان الصحفيون الفرنسيون يمارسون أعمالهم وبالقطع لم يكونوا مسلحين، وحتى حراستهم كانت ضعيفة بعد أن تم تخفيفها فى وقت سابق، من حيث عنصر التسليح كان الجناة فى هذه الحالات الثلاث مدججين بالسلاح والذخيرة وقتلوا الضحايا بدم بارد، فى الحالات الثلاث بدا وجه الإرهاب سافراً غير مقنع ولا يميز بين المسلم والمسيحى فالجميع لديه سواء طالما لم يشاركوه معتقداته وانتماءاته المدمرة والبشعة.
بالإضافة إلى ذلك فمن رفح إلى باريس يتمدد خط سير الإرهاب فالإرهاب لا يعرف الحدود ولا يعترف بها، فهو ظاهرة عابرة للحدود والجغرافيا والثقافات، فهو يتأقلم مع العولمة وتقنياتها الحديثة وما بعد الحديثة ويستثمرها تماماً على طريقته، مثله فى ذلك مثل الشركات عابرة الحدود أو متعددة الجنسيات أو دولية النشاط، فمقارها فى الغرب الأمريكى والأوروبى أو اليابان أو غيرها من البلدان، إلا أن فروعها تغطى أجزاء كبيرة من المعمورة وتعيد إنتاج السلع والخدمات بأسعار تناسب الأسواق غير الغربية وتستثمر فى ذلك العمالة الرخيصة وغير ذلك من الامتيازات التى تتوفر لها، كذلك الحال مع الإرهاب فمراكزه المفترضة أو المعروفة تقع فى الشرق الأوسط، فى سوريا والعراق واليمن وأفغانستان وباكستان ولبنان وغيرها من البلدان، بيد أن فروعه وخلاياه النائمة والمستيقظة وكوادره ومريديه ينتشرون فى كل مكان فى أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من البلدان والقارات حيث توجد جاليات عربية وإسلامية تعانى من التهميش والإقصاء وينتشر بين أبنائها الفقر والبطالة وتجد الجماعات الإرهابية فى ذلك مناخاً مؤاتياً للتجنيد والحشد والترويج لفكرها الإرهابى والمتطرف.
ساعدت السياسات الغربية والأمريكية تحديداً فى انتشار الإرهاب وشيوعه على نحو فاق كل التوقعات، ظن صانعوا هذه السياسات أنهم بمنأى عن الإرهاب وأنه لن يستطيع أن يطالهم فى عقر دارهم وأنهم يستطيعون أن يوظفوا الإرهاب لتحقيق أهداف ومآرب دبرت بليل لتفتيت العالم العرب وتقسيمه، ولكن ثبت بالدليل أن الإرهاب لا حليف له ولا أمان له بل ينقلب على صانعيه عندما تحين الفرصة وعندما يتطلب الأمر ذلك.
أوضح مسار الأحداث صدق ذلك، فقد انقلب مجاهدو أفغانستان من القاعدة ضد الولايات المتحدة الأمريكية، وانقلب الدور الفرنسى فى سوريا على الفرنسيين أنفسهم، وأفضى الاحتلال الأمريكى للعراق إلى انخراط أحد الأخوين "كواشى" الذين نفذوا مذبحة "شارلى إيبدو" فى باريس فى تجنيد المقاتلين وإرسالهم إلى العراق بعد احتلاله وبعد ذلك إلى سوريا.
كانت مصر رائدة فى مجال مكافحة الإرهاب، حتى فى ظل تدهور مكانتها ودورها وتفاقم أزمتها مع النظام السابق للثورة، حيث دعت إلى مؤتمر دولى حول الإرهاب واعتباره خطرا عالمياً وممتدًا فى المكان والزمان وأن الغرب يأوى المتطرفين ويمنحهم جنسية دولة فى الوقت الذى تقوم فيه مصر بمحاربتهم ومقاومتهم ولم يعر العالم أذاناً صاغية لهذه الدعوات حتى ظهر هذا الخطر جلياً واضحاً فى الأحداث فى 11 سبتمبر عام 2001 وباريس 2015 وبينهما مدريد ولندن وغيرها من العواصم الأوروبية.
المسافة الممتدة من رفح إلى باريس تستحق كل الجهود فى التعاون الاستخباراتى والأمنى وتبادل المعلومات والتنسيق والدعم المادى واللوجيستى المتبادل لحصار الإرهاب وتفكيك خلاياه وشبكاته وبلورة رؤية مشتركة تؤثم دعم الإرهاب واستثماره لتحقيق أية أهداف سياسية.