الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هل يُحَمِّل السيسى البرلمانَ الجديدَ مسئوليتَه؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من الأفضل كثيراً للرئيس السيسى، ولمصر أن يُبذَل جهدٌ مكثفٌ على أعلى مستوى، قبل أن يبدأ مجلس النواب الجديد أعماله، من أجل إصدار مراسيم بقوانين، وتعديل الموجود حالياً، حتى تكون كلها متجاوبة مع أهداف الثورة، وبأفضل ما تكون الضمانات، ما دام أن أول مهام المجلس أن ينظر فى القوانين التى صدرت فى غيابه أثناء المرحلة الانتقالية، وأن يستخدم كامل صلاحياته فى مهمة التشريع، إما أن يُقرّها كلها، وإما أن يلغيها كلها، وإما أن يجيز منها ما يراه جائزاً، وإما أن يُنقِّح منها ما يراه قابلاً للتنقيح!
على أن تكون على رأس هذه المراسيم المأمول وضعها كل ما يخصّ الحريات العامة والخاصة، وأولها حرية ممارسة الشعائر وبناء دور العبادة، وحريات التعبير والصحافة والتظاهر، بما يتفق مع المواثيق والعهود الدولية التى صدّقت عليها مصر، إضافة إلى حقوق العمل والعمال وحقوق الفئات المهمشة، مثل المرأة والأقليات، وكذلك الحريات النقابية، وكل ما يدعم الحقوق الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وإقرار حق المدنيين أن يمثلوا أمام قاضيهم الطبيعى..إلخ
سوف يضع هذا الإنجاز مجلس النواب أمام مسئولياته، وهم أصحاب القرار فى الموافقة أو الإلغاء أو التقييد، بما سوف يساعد على أن يكتشف الرأى العام المواقف والانحيازات الحقيقية للنوّاب الذين صاروا ممثلين للأمة، ويعرف الناس مَن كان صادقاً فى دعايته الانتخابية ومَن كان يتلاعب بالناخبين حتى يتمكن من المقعد.
وفى كل الأحوال، فإن هذا أفضل لتجربة السيسى من أن يَلغى المجلس مراسيم بقوانين تضع قيوداً، ويضع هو قوانين أخرى تتوسع فى الحرية.
أما إذا لم يحدث هذا وبدأ المجلس أعماله مع القوانين المعمول بها حالياً بهذه الصورة، والتى يثور حول بعضها جدل شديد، ولا يحظى بعضها بالرضا المطلوب، إضافة إلى ما هو مرفوض من الأغلبية الكاسحة، فسوف يكون بإمكان أعضاء البرلمان المؤيدين فى قرارة أنفسهم لهذه الاختلالات أن يتستروا وراء الأولويات والظروف القاهرة التى لا تسمح الآن بإجراء تغييرات جذرية، ولن يعدموا حججاً أخرى تُبقِى على هذه التشريعات المعيبة التى تنتقص من حقوق الأغلبية.
ما ينبغى أن يكون واضحاً، هو أن الأغلبية الشعبية جادة فى الإلحاح على تحقيق مطالبها التى رفعتها فى 25 يناير 2011، وقد أصرّت على خلع مبارك لعجزه عن الوفاء باحتياجاتهم، أو بمعنى أصحّ لأنه استقرّ فى الوعى العام أنه يعاند شعبه، ليس فقط لتبنيه سياسات لصالح فئة محدودة بما يدعم أن يستمر المُلك فى عائلته، وإنما أيضاً بعقيدة كانت راسخة داخله أن الاستجابة للجماهير ضعف! ثم، وبعد النجاح فى خلع مبارك، كان الهتاف المدوى بأن المجلس العسكرى بقيادة طنطاوى "لازم يمشى"، أيضاً لذات الأسباب. ثم عندما تبين للرأى العام أن ممثل الإخوان فى القصر الرئاسى هو أيضاً غير متحمس لهذه المطالب، بل إن له أجندة أخرى خاصة بجماعته وأهله وعشيرته، وأنه يسير على خط مناقض مع ما هو مأمول، خرج الشعب فى ظروف محفوفة بمخاطر حقيقية، حتى تمكنوا من إقناع القوات المسلحة بضرورة إجراء التغيير المطلوب وإلا لكانت العاقبة وخيمة!
هذا السرد مهم، للتذكرة بموقف عام قوى لا يجوز افتراض أنه تغير، بل على العكس فإن التفاف الناس من أول يوم حول السيسى، وقبل أن يبدى أي أفكار واعدة فى إدارة البلاد، كان تقديراً له على تلبية نداء التخلص ممن حادوا عن خط الثورة، ومن أجل أن تعود الثورة إلى مسارها الطبيعى.
ولكن هناك من يخطئ فى قراءة الواقع، ويتوهم أن خفوت الصوت هذه الأيام عن المطالبات الثورية يعنى أن الناس تنازلت عن طموحاتها التى دفعت فيها ضريبة غالية، وهذا غير صحيح، يكفى النظر إلى التأييد الشعبى الكاسح للتصدى للعمليات الإرهابية من الإخوان وحلفائهم، بل ومشاركة الناس العزل بشكل إيجابى فى إلقاء القبض على الإرهابيين، وإلى الحماس الفائق فى الاستجابة لمشروع تطوير قناة السويس، وتجميع المبلغ الخرافى المرصود فى 8 أيام فقط لا غير، ويكفى الالتفات إلى ردود الأفعال المتجاوبة بشدة لزيارة السيسى للكاتدرائية المرقسية وتهنئة الأقباط بعيد الميلاد المجيد، لأن هذا كان تحقيقا لشعار الثورة "مسلم ومسيحى إيد واحدة".
الناس صابرة على السيسى لأنها وثقت فيه، وهذا وحده يُسَهِّل عليه أن يتخذ خطوات جسورة فى تلبية مصالح عموم الناس، الأغلبية الساحقة من الشعب، وأن لا يكترث كثيراً بتلويح أفراد وحلقات بقوتهم وبقدراتهم على دعم تجربته أو إفشالها، وبأن موقفهم العملى على الأرض مرهون بتحقيق مصالحهم التى يتعارض الكثير منها مع مصالح الأغلبية، بل إن مِن هؤلاء مَن أعلن الشعب رفضه لهم بالاسم عندما كانوا فى عزّ سطوتهم.
السُلطة التشريعية الآن فى يد السيسى والحكومة، والوقت كافٍ فى الفترة من الآن وحتى بدء انعقاد البرلمان الجديد، والدراسات التفصيلية الخاصة بالقوانين المطلوبة متاحة، بل إن هناك عدة اجتهادات، والأغلبية الساحقة من الجماهير تتطلع إلى أن ترى هذا الإنجاز، ولا يبقى إلا الإرادة على الفعل. فلماذا التردد؟