الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سيناريو التخطيط ... القيمة الغائبة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تبدأ الحكاية بالمفارقة الأزلية والقائمة والممتدة بطول الحياة، الموارد المحدودة والاحتياجات المتعددة، يقابلها الفرد فى يومه وغده، وتقابلها الدول، وقد ترجمناها فى أمثالنا الشعبية العبقرية "العين بصيرة والإيد قصيرة"، فيصبح من الضرورى أن نرتب الاحتياجات بحسب أهميتها وضرورتها، لنوزع عليها ما نحوزه من موارد.
بين الحصر والترتيب والتوزيع يأتى التخطيط، وغياب التخطيط يفسر كثيرًا من الأزمات التى نعيشها من الفرد إلى الدولة وبينهما الأسرة والقرية والحى والمدينة، ويبرز سؤال لماذا لا يمثل التخطيط ركناً أصيلاً فى منظومة حياتنا، هل بسبب التراث الذهنى السائد، أم لشيوع رؤى دينية تعتبر التخطيط ضدالتسليم بمشية الله، أم بسبب انتظار الحلول القدرية الغيبية، والتى ترجمتها أمثالنا الشعبية السلبية؟.
يرى الدارسون أن التخطيط هو وضع تصور قابل للتطبيق يوفر أفضل الطرق للاستغلال الأمثل للموارد المتاحة بما يلبي احتياجات الجيل الحالي دون أن يؤثر على احتياجات الأجيال اللاحقة.
ويعرفه البعض بأنه الأسلوب العلمي الذي يهدف إلى تقديم الحلول وبدائلها للمشكلات الحالية أو المتوقعة للمجتمع، وذلك في إطار خطة منظمة ذات سياسة وأهداف واضحة، خلال الفترة زمنية محددة، تأخذ في الاعتبار الإمكانيات والموارد الحالية أو المستقبلية بشرية أو طبيعية، على أن يكون شاملا ومرنا ومستمرا.
والسؤال هل التخطيط يتحقق بمجرد وجود وزارة للتخطيط؟، الإجابة على الأرض ومن خلال خبراتنا الممتدة عبر عقود، أنها وحدها لا تكفى، ما لم تكن ثقافة التخطيط واحدة من مكونات الذهنية العامة، والتى تتكون عبر الأدوات التى تشكلها وفى مقدمتها منظومة التعليم والإعلام، عبر المناهج التربوية وبرامج الحوارات والدراما، بعكس ما هو سائد اليوم فيها وقد اختطفت بفعل الاستثمار الرديء والمخرب لما تبقى من قيم مصرية إيجابية.
وإذا انتقلنا من العام إلى طرح أكثر تحديدا فيما يتعلق بالتخطيط العمرانى، وقد غشينا القبح والعشوائية بالمخالفة لما استقر فى علوم التخطيط العمرانى التى تعرفه بأنه "استيفاء احتياجات المجتمع في مكان ما وزمن ما، بما يضمن تنسيق المدينة من النواحي الوظيفية والبصرية والاقتصادية والاجتماعية، في إطار خطة زمنية معينة مع مراعاة الإمكانيات والمحددات الموجودة في المجتمع".
التخطيط العمرانى يعتمد بالأساس على لغة الأرقام، بيانات ومعلومات، ويسعى للإجابة على أسئلة أساسية مطروحة، تدور حول طبيعة المنطقة المستهدفة بالتخطيط، زراعية صناعية حضر ريف، طبيعة المكون البشرى، احتياجاته، مكونه التعليمى والاقتصادى وتجانسه الاجتماعى، وقيمه السائدة، وحاجتها للتدعيم أو التغيير، وكيف نترجم كل هذا فى المكون العمرانى على الأرض، مدارس ومستشفيات وخدمات ودور عبادة على تنوعها، والبعد الترفيهى المتسق مع طبيعة المنطقة.
ربما يكون الأمر ميسرا وممكنا فى المجتمعات الجديدة التى يتم إنشاؤها من أول السطر، فماذا عن المجتمعات القائمة بالفعل، قرية وحى ومدينة؟، أظن أننا بحاجة إلى إعمال منهج الإحلال والتجديد، ولدينا تجربة وليدة تشهدها محافظات عديدة ربما أبرزها محافظات الصعيد، وفيها تقام شرق النيل مدن جديدة موازية للمدن القديمة، بنى سويف الجديدة، المنيا الجديدة، أسيوط الجديدة، كنماذج شاهدتها، وتسعى لجذب الشباب والأسر المكونة حديثاً، ومع استكمالها ستسهم فى تخفيض كثافة المدن القديمة المقابلة، الأمر الذى يتطلب البدء فى تطوير المدن القديمة بالإحلال والتجديد وفق نماذج معمارية تتفق وطبيعتها، وتكون ملزمة عند استخراج تراخيص البناء، فى إطار بيئى وزمنى محدد وملزم، ويمكن وضع حوافز تدعم هذا حتى نقطع اتجاه الاعتداء على الرقعة الزراعية، بالتوسع الرئسى فى حدود طبيعة القرية والمدينة، مع توفير الخدمات الأساسية لها بشروط ميسرة وجدية لازمة، ضمن تخطيط أشمل للمحافظات.
ونفس السيناريو فيما يتعلق بالعشوائيات، يبدأ بحصر ما هو قائم بغير إعلان، من خلال المتوفر من آليات، الرقم القومى أو بطاقات التموين الرقمية، وغيرهما، ثم نحدد مساحة مناسبة فى الظهير المقابل لها، بحسب موقعها، ونشرع فى بناء حى جديد بشكل مرحلى، ينقل إليه سكان الحى العشوائى المستهدف، باشتراط تنازلهم عن أماكنهم القديمة، ثم تقوم الجهات المسئولة بإزالتها لتكون حيا جديدا ينقل اليه منطقة عشوائية أخرى، وهكذا يتم الإحلال والتجديد على مدى زمنى وخطة خمسية أو عشرية، ستوفر لنا مساحات جديدة تستوعب المزيد والمزيد.
فهل نبادر باعتماد سيناريو التخطيط، ليصبح واحدًا من مقومات التفكير العام لدى الفرد والمؤسسة والدولة؟.