السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

لمحة عن حياة الغجر وجذورهم بالبلدان العربية

الغجر
الغجر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كتب: هيثم عبد الشافي

رغم كثرة الأبحاث والدراسات التي أجريت حول حقيقة «الغجر» وأصول هذه الجماعات التي تفرقت بين أرجاء الوطن العربي قرابة الـ 15 قرنا من الزمان لا يعرف أحد حتى الآن التاريخ الحقيقى لدخولهم بلاد العرب حيث ظل السؤال مطروحًا حول أصل الغجر والعلاقة بين هذه الجماعات والوطن العربي بصفة عامة ومصر على وجه الخصوص..؟


الدراسات والأبحاث التي أجريت في هذا الشأن كان على رأسها دراسة لـ الدكتور «رايكو جوريتش» وهو باحث يوغوسلافي، اهتم بالبحث في أصول الغجر، أما الثانية فكانت لـ «كيفن هولمز» أبرز الباحثين الأوروبيين الذين كتبوا عن ظاهرة الغجر وأفرد لها مساحة واسعة في تناوله التاريخي لبداية ظهورهم في مصر، كما حوت دراسته رصد دقيق لأحوال الغجر وأصولهم، حيث توصل إلى حقيقة أخرى تقول إن الغجر لم يسهموا في نهضة الدول العربية التي دخلوها بل كانوا سببا في إثارة الاضطرابات في عدد من العواصم العربية التي عاشوا فيها.
الغجر كما هو معروف تاريخيا قبائل هندية الأصل وبالتحديد من حوض نهر السند، دخلوا المجتمع العربى عن طريق بلاد فارس، وكانوا يعرفون بزنوج الهند بسبب بشرتهم السمراء، حيث كانت لهم أزياء خاصة وتسريحات شعر تخصهم، ويعيش «الغجر» في عدد كبير من بلدان الوطن العربي، بعضهم استطاع أن يندمج مع المجتمع الذي يعيش فيه، لكن الغالبية قاومت دعوات الاندماج وأصرت على البقاء في حدود مجتمعها الخاص بعاداته وتقاليده الخاصة جدا.

وبحسب دراسة «هولمز» فإن هذه الجماعات عندما وصولوا البلدان العربية اختاروا جنوب العراق موطنا لهم، مما يؤكد أنهم قدموا من بلاد فارس أولا منتشرين نحو الغرب حتى وصلوا بادية الشام ليعيشوا حياة بداوة الصحراء، فأخذوا يربون سلالات من الحمير وكلاب الصيد، وقد عرف العرب «الغجر» قبل الإسلام حين اختلطت قبيلة تميم بهم وجاورتهم قبيلة عبد القيس في جنوب العراق وبعد مجىء الإسلام وانتشاره.
وتناقل الناس رواية فحواها أن عشيرة منهم بدوية تجولت في بلاد الشام والعراق أفرادها كالبدو في هيئتهم ولباسهم وبعض طرق حياتهم لكنهم لا يتزوجون ولا يزوجون إلا من عشيرتهم وهم مسالمون يمتازون بالبساطة والنشاط، يعتمدون في معيشتهم على الصيد ويربون قطعان الحمير البيضاء ليتاجروا بها ويتاجروا بالملح أيضا وهم أطباء البادية، حفلاتهم الراقصة كثيرة نساؤهم يرقصن ويغنين في حضرة الغرباء على دقات الطبول. 
الدراسة ذاتها لفتت إلى أن الغجر لم يساهموا في صنع التاريخ العربى كباقى القوميات التي عاشت في الأرض العربية وذلك بحكم أنهم قوم عابرون في المكان والتاريخ غير أنهم سببوا بعض المتاعب والاضطرابات في بلاد العرب، بسبب عاداتهم المغايرة لتقاليد وأعراف العرب.
في فلسطين يطلق على هذه الجماعات اسم «النور» ويعيشون هناك منذ ما يزيد على مائة عام ورئيسهم شكرى أنور، يؤكد هذه الحقيقة دائما في وسائل الإعلام المختلفة، لافتا إلى أن الكثير منهم انخرطوا في المجتمع الفلسطينى منذ اندلاع الانتفاضة في سبتمبر 2000 حيث تخلى ابناء الغجر عن العمل في الموسيقى والرقص، بعد أن ارتبط قدر الغجر بحياة الفلسطينيين أنفسهم وتشربوا معهم معاناتهم.

ووفقا لدراسة «النور»، فان الغجر في فلسطين كانوا يعلقون ملابس الراقصات والمنشدات داخل خيمهم، كذا هناك بعض العائلات التي يتسول أولادها في الشوارع وتدخن نساؤها السجائر في بيوتهم الفقيرة، ويحول الفقر دون تعليم أبنائهم إلا عدد قليل يجتمعون في مراحل جامعية ويعملون في التدريس وهناك امرأة منهم في أحد البرامج التليفزيونية تفتخر بأن ابنتها تعمل صحفية لكنها ترفض الكشف عن اسمها حتى لا يؤثر ذلك على سمعتها الوظيفية كما أصبح بعضهم إعلاميون في تليفزيون الأردن. 
وفى سوريا يشكل الغجر مجموعة بشرية متحابة يتوزعون في المحافظات الداخلية السورية والحدود اللبنانية السورية ويسمون بـ «القرباط» و«النور»، ويطلق عليهم في الساحل السورى «المطاربة» ومن المدن التي ينتشرون فيها دير الزور وحمص وحماة وحلب.
وفى محافظة الحسكة التي تقع في أقصى الشمال الشرقى بجوار الحدود العراقية التركية يعيش ما بين 2000 إلى 3000 عائلة غجرية، وفى محافظة الرقة يرتفع العدد إلى نحو 4000 عائلة تقريبا ومثلهم في حلب، إلا أن عددهم يزداد بشكل ملحوظ في باديتى حمص وحماة، ففى الأخيرة يصل عددهم إلى 5000 عائلة وربما أكثر وفى محافظة حمص وتحديدا في جورة العرايس ينتشرون بكثرة ولهم أيضا تواجد ضخم في منطقة تدمر الأثرية التابعة لمحافظة حمص، بينما تنتشر اعداد قليلة منهم في بقية المحافظات. 


يسكن الغجر في الغالب بجوار المدن، لأن عدد السكان يكون أكثر مما يدر عليهم ربحًا أكبر خاصة لمن يمتهن التسول في الشوارع وأمام المساجد ودور العبادة وفى الساحات.
وهناك يتكلمون إضافة للعربية لغة «العصفورة» الخاصة بهم، وتعود أصول شريحة واسعة منهم إلى غجر فلسطين الذين نزحوا عام 1948 بعد النكبة، ورغم أن الغالبية العظمى منهم الآن مواطنون سوريون يحملون بطاقات هوية بذلك إلا أنهم يفضلون حتى وقتنا الحالى العيش في مجتمع خاص بهم منغلق عليهم ولم ينسلخوا عن عاداتهم وطرق معيشيتهم التي ورثوها عن أجدادهم.
أما الغجر في الأردن لهم وجهة نظر مختلفة، فهم يعقتدون أن أصولهم تعود إلى بنى مرة وأنهم عرب أصليون وينكرون أصلهم الهندي استنادا إلى «حرب البسوس» وسيرة الزير سالم، الذي انتقم من بنى مرة وأمر بتشتيتهم في الأرض وحكم عليهم ألا يركبوا الخيل وأن لا يذوقوا طعم الراحة والأمن والاستقرار فهربوا ناجين بأرواحهم وهاموا في صحارى الجزيرة العربية.

كما يعيش الغجر في لبنان في حى من الصفيح يسمونة «حى الجربة» والقريب من حى صبرا، ويقدرون بمائة عائلة وجميعهم يعيشون حياة متشابهة تمامًا وحياة المجتمعات الفلسطينية، ولكن في الثمانينيات انتقل بعضهم إلى بيوت حجريه كما في قرية القصر شمال الحرمل.
وفى شمال المملكة العربية السعودية بمنطقة حائل، يعيشون هناك تحت اسم البدو، وهى جماعات تحمل نفس السمات العامة للغجر في التحرر تمامًا من قيود الدين والعادات والتقاليد والتفرد بسلوك اجتماعى مخالف تمامًا لما هو سائد وأحيانا يخالف الفطرة السلمية.
وفى منطقة الحائل يتميز الغجر بالبشرة البيضاء والعيون الملونة والقذارة الشديدة للأطفال، ويشيع بينهم الزواج المبكر في مرحلة الطفولة، والغجر في منطقة حائل مسلمون بالاسم فقط.
كذا يشكل الغجر في العراق اقلية عرفية حيث يتراوح عددهم ما بين 400 ألف إلى نصف مليون وينتشرون في جماعات صغيرة بطول أراضى العراق ويسكنون في مجتمعات فردية منعزلة عن أطراف المدن، وتوجد مجتمعاتهم في بغداد ابى غريب والكمالية والبصيرة وشارع بشار وحى الطرب على طريق الزيرو الموصل وهجيج والسحاجى، إضافة إلى بعض القرى في سهول جنوب العراق كالديوانية وقرية الغوارة والمتنى والغجر والناصرية وعفك.

أما الغجر في مصر فيحرصون على أن تكون طريقة ملبسهم متسقة مع المجتمع المصري الذي يعيشون فيه، فنساء الغجر اللائي يشتهرن بأزيائهن الملونة، وأقراطهن الطويلة، والوشم الذي يزين الوجه والأذرع، يمكن أن تتشابهن كثيرًا مع المرأة الصعيدية البسيطة التي ترتدي على نحو شبه مماثل لهن. 
نجد أيضًا أن رجال الغجر يرتدون الجلباب التقليدي تمامًا مثلما يفعل الرجل الشعبي البسيط، لذا فالاختلافات المميزة نجدها في ملامح الوجوه، فوجه الغجري عادة ما يكون أكثر سمرة ونحافة أما ملامحه تكون أكثر حدة ووضوحًا من ملامح المصري العادي.
مهن الغجر في المحروسة تطورت تدريجيًا عبر الزمن، ومع ذلك فإنهم لايزالون يشتهرون بالأعمال المعدنية كإصلاح المواقد القديمة، وتنظيف الأواني النحاسية، فيمكن مثلًا للمترجل وهم يعملون في الصناعات المعدنية الزخرفية، ويكون من نتيجة تعرضهم لحرارة الشمس العالية إضافة إلى حرارة الأفران أن ينعكس هذا على لون بشرتهم التي تشتهر بسمرتها الواضحة.
كما تنوعت مشاريع الصناعات المعدنية للغجر، ففي أكشاك خشبية استطاع الواحد منهم من خلالها أن يجد مصدرا تسويقيا لمهاراته في المجتمع غير الغجري بطبيعته، وهو ما يؤكد اندماج الكثير من الغجر بشكل أوسع في المجتمع المصري ككل.
الغجر دومًا ما كانوا يشاركون في أعمال التسلية والترفيه، فهم يتتبعون الموالد في مختلف أرجاء مصر، حيث يؤجرون للعابرين المراجيح الشعبية وألعاب التصويب والرماية وغير ذلك من دروب التسلية والترفيه. 
كذا نسبة كبيرة من الغجر تعتمد على السياحة كمصدر رزق أساسي، فنسبة عالية من سائقي الخيول والجمال في المناطق السياحية هم في الأساس من الغجر، وبينما يتجولون بين السائحين لتأجير الخيول لهم ينتشر أطفال الغجر لبيع الحلى والتذكارات السياحية بالقرب من أبي الهول، أيضًا يتصدر نساؤهن مهنة «الغوازي» في المناطق الريفية بمصر، وكما تم التوثيق عبر القرون الفائتة فإن نساء الغجر اشتهرن بالعمل في مجال التنجيم من خلال قراءة الكف ووشوشة الودع وأصداف البحر.