السبت 08 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

انتخابات 2016.. ملابسات أمريكية وأوروبية معقدة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المفترض نظريًا أن الإدراة الأمريكية تكون في حالة شلل إذا تجاوزت نصف ولايتها، إذ تدخل في تشابك حسابات انتخابية وتصويتية تمنعها عملياً  من اتخاذ خطوات كبيرة تحسم بها أوضاعاً محلية ودولية وتجيب علي أسئلتها الحالة والضاغطة.
فإذا عانت الولايات المتحدة من مثل ذلك الإنقسام الواضح الذي يفصل (الآن) بين المكتب البيضاوي في البيت الأبيض ومبني الكابيتول، وقد سيطرت أغلبية جمهورية علي مجلسية في واحدة من الحالات النادرة (237 من أصل 435 في مجلس النواب و54 من أصل 100 في مجلس الشيوخ) فإن شلل الإدارة الأمريكية يتزايد، ويدفع الرئيس أوباما إلي إستخدام حقه في (الفيتو) علي قرارات الكونجرس كما فعل روزفلت من قبل، وهو ما يضر الحالة السياسية الأمريكية، ويضعف مصداقية النظام أمام مواطنيه وأمام العالم.
وواحدة من الحالات التي ستجد واشنطن نفسها عاجزة عن مواجهتها هي المسألة الأوكرانية، والتي – من اللحظة الأولي لاندلاعها عام 2012 – كنت أري المستهدف منها ليس ضم أوكرانيا إلي دول ست من الإتحاد السوفيتي السابق في شراكة اقتصادية مع الإتحاد الأوروبي، ولكنني رأيت الملف في إطار أمني واستراتيجي يستهدف تقدم حلف (الناتو) إلي مواقع أكثر ملاصقة لحدود الإتحاد الروسي، لا بل وتهديد نظام الرئيس فلاديمير بوتين، وربما استشراف هدف أمريكي أكثر خطورة وهو تقسيم روسيا إلي ما يقرب من خمسين دولة بحسب تنوع القوميات والأعراق فيها، وهو ما يشبه الخطة الأمريكية إزاء الدول العربية فيما يعرف بمؤامرة الشرق الأوسط الأوسع، أو ثورات الربيع العربي.
وقد لفتني ذلك المنهج منذ بداية الانتخابات الروسية الرئاسية الأخيرة حين استخدمت واشنطن تقنية الضغط بواسطة المنظمات الأهلية العميلة للغرب في تعذية وتعزيز الجهود لإسقاط بوتين في الانتخابات، ثم في الإدعاء عليه بالتزوير حين نجح في تلك الانتخابات.. إذ لم تك واشنطن ترغب أبداً في أن تري روسيا قوية وقادرة كما يريدها بوتين، وإنما كانت تبغي روسيا متعثرة تغرق في أوحال الضعف والفساد كما كانت في عهد بوريس يلتسين.
وبيقين فإن ما أعلنه بوتين خلال مؤتمره الصحفي السنوي الشامل ثم عبر إعلانه عن العقيدة الروسية الجديدة الدفاعية في الهزيع الأخير من أيام 2014، يشي بأن الزعيم الروسي عقد العزم علي مواجهة الخطر المحدق به وببلاده، إذ نصت تلك العقيدة علي تحديد الأخطار الداخلية والخارجية التي تحيق بروسيا، سواء كانت الحزازات الدينية والمذهبية، أو الإخلال بهيكل الدولة، أو الدعاية والإعلام الأسودين والهادفين إلي تقويض النظام، ومن الوجهة الخارجية فإن موسكو اعتبرت أن حلف (الناتو) مازال خصمها وعدوها، وأنها – بعشرات الآلاف من الرؤوس النووية – ينبغي أن تتصدي لتهديداته، وحتي إن كانت تلك التهديدات بالأسلحة التقليدية، كما أن روسيا رأت في عقيدتها الدفاعية الجديدة أن عدائيات الغرب لها أخذت منحني خطيراً برفع شعارات (أوروبا من الأطلنطي وحتي جبال الأورال)، أو بالحديث المتواصل عن أحقية الغرب في إستعادة القاعدة الروسية البحرية في أوكرانيا والواقعة علي البحر الأسود (سيباستمول) وتحويلها إلي قاعدة إلي لحلف الناتو.
ومن المعروف أن موسكو لا تسمح – أبداً – بتمدد الغرب وحلف الناتو – بالذات – في جورجيا أو بيللاروسيا أو أوكرانيا، ويعد قرار البرلمان الأوكراني بالإنضمام مستقبلاً إلي حلف الناتو، خطوة تفضي إلي رد فعل روسي قوي ولا سيما أن الضغوط الأمريكية تفاقمت مؤخراً علي روسيا بما لا يمكن لموسكو الصبر عليه سواء باستبعاد روسيا من قمة الدول الصناعية الثماني أو محاولة عزلها عن أوروبا أو بالعقوبات الاقتصادية التي شملت بعض رجال الأعمال والشركات المقربة من بوتين.
نهايته.. الولايات المتحدة تريد التصعيد ضد موسكو، ولكن حال الشلل في الإدارة الأمريكية – الذي يتعزز يوماً وراء يوم – يمنع التطور في الموقف الأمريكي، فيما روسيا التي تعاني تداعيات العقوبات تتململ وترفع بنود عقيدتها العسكرية الجديدة كرادع حقيقي لأمريكا والغرب.
فإذا كانت الإدارة الأمريكية تتمزق – الآن – بين بيتها الأبيض وبين مجلسيها التشريعيين فوق تل الكابيتول (النواب والشيوخ) بما يقلص إمكاناتها في مواجهات داخلية وخارجية كبيرة (علي رأسها الموازنة، ومحاولة الجمهوريين إجهاض مشروع أوباما للرعاية الصحية الذي يعتبره إنجازه الكبير، أو محاولة تأمين تحالف جمهوري ديمقراطي لتأييد تصعيد العقوبات ضد طهران، أو الاعتراض علي رفع الحصار عن كوبا وإستعجال البت في مصير 132 معتقلاً متبقياً في معتقل جوانتانامو، أو الحشد وراء عدم إرسال قوات برية إلي العراق، وكذلك مقاومة المصادقة علي تعيين أشتون كارتر وزيراً للدفاع) فإن واحدة من تلك المواجهات لابل وأهمها هي المواجهة مع روسيا في عدد من النقاط الساخنة علي رأسها أوكرانيا، وبخاصة مع تحرك موسكو لنشر قوات وبالذات صواريخ (إس- 400) في سيبيريا والدخول في إتفاقات مع الصين لاستثمارات مشتركة في تلك المنطقة وبالذات في مجال الغاز والبترول، فضلاً عن تحويل مجري أنبوب الغاز الروسي بحيث تكون وجهته هي تركيا وليست وسط أوروبا.
ولن تكون أوروبا أحسن حالاً من الولايات المتحدة وخاصة مع التمزق الذي تشهده دولها الكبري جراء ظاهرة تجنيد الشباب الأوروبي في صفوف داعش وغيرها من المنظمات الإرهابية المتطرفة، فيما يعد الاختراق الأمني وتهديد المؤسسات الأوروبية من جانب تلك الميليشيات والمنظمات الإرهابية هو الوجه الآخر للعملة.
بلجيكا علي لسان وزير خارجيتها جان جامبون وبريطانيا علي لسان وزيرة داخليتها تيريز ماي، تخوض – هذه اللحظة - غمار مواجهة صاخبة تحاول فيها السيطرة علي استخدام الإرهابيين لروابط التواصل الاجتماعي وعالم الإنترنت في أيديولوجية وعقيدة الإرهاب، وجذب الشباب الأوروبي وتجنيدهم في المنظمات الإرهابية، وغسيل الأموال واختراق المؤسسات البنكية، والتنصت والتشويش، فضلاً عن الدعاية السوداء ونشر الإشاعات، والحرب النفسية.. وقد وصلت تلك المواجهات لأفق جديد حين دخلت تلك الدول إلي مفاوضات مع مؤسسات الروابط الاجتماعية مثل (فيس بوك) و(تويتر) و(يوتيوب) وغيرها.
وليس هذا – فحسب – هو نوع الأخطار والمواجهات التي تنخرط فيها أوروبا نتيجة ظاهرة الإرهاب الإسلامي السياسي، ولكن هناك ما هو أشد وطأة علي تماسك تلك الدول وقدرتها علي خوض غمار المواجهة مع روسيا، أعني ذلك التشرذم السياسي الذي أخذ بعداً فكرياً خطيراً في معظم الدول الأوروبية، إذ أدت ظاهرة انتشار الإرهاب وجماعات الإسلام السياسي في أوروبا وتهديد الأمن وتجنيد الشباب الأوروبي في جماعات الإسلام إلي ظهور ما يمكن تسميته (الرقم المعاكس) المتمثل في صعود وإزدهار الجماعات القومية الأوروبية المتشددة، والتعبيرات السياسية والحزبية عنها، فإلي جوار القوة المتنامية للجبهة الوطنية الفرنسية التي تتزعمها ماريان ماري لوبان، وحزب الإستقلال البريطاني الذي يرأسه نايجل فاراج (وهما تنظيمان يمنيان يتعصبان ضد الأجانب والمسلمين)، نري في ألمانيا حزب (المبادرة من أجل ألمانيا) و(ببيجيدا) الذين يقفان علي يمين يمين الكتل الحزبية التقليدية مثل الحزب الاجتماعي المسيحي البافاري، والحزب الإشتراكي الديمقراطي، والحزب الديمقراطي المسيحي الذي تتزعمه المستشارة أنجيلا ميركل والتي تواجه ضغوطاً كبيرة من قوي اليمين بسبب ما أعلنته ميركل من ضرورة البقاء علي الإسلاميين كمكون ضمن التركيبة السكانية الألمانية، وعدم الإنسياق وراء أفكار إثارة الخوف مما يسمي: (أسلمة ألمانيا)، لابل وتطورات تلك المسألة الأخيرة إلي تمزق الوضع داخل الحزب الديمقراطي المسيحي (حزب ميركل) بعد اتهام قوي اليمين داخل ذلك الحزب بأن ميركل تتجه شيئاً فشيئاً إلي اليسار وأن الحزب يفقد هويته تحت زعامتها.
إذن فإن الغرب سواء في أمريكا أو أوروبا يواجه فترة من عدم اليقين والسيولة والتمزق الداخلي سوف تجعل من الصعوبة بمكان إستمرار المؤامرة ضد روسيا أو تصور الإنتصار علي بوتين في لعبة الذراع الحديدية أو Bras-de-Fȇr، التي ستظل دائرة سائرة حتي إنتخابات 2016 بأمريكا وبعدها سوف يكون لكل حادث حديث.