رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سحب البساط من تحت أقدام الإرهاب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما إن انتهينا من البكاء على دماء كاترين صبحي، التي نزفت حتى الموت في صحراء ليبيا الأسبوع الماضى، حتى طالعتنا الأخبار باختطاف 13 مصريًا مسيحيًا هناك في ذات دائرة الرعب الإرهابي.
تلك الأنباء المتسارعة تؤكد بوضوح أن مصر في خطر، وأن القتل والاختطاف على الهوية وإن اتخذ من المسيحيين المصريين هدفًا له في هذه المرحلة، فهو لن يتردد إذا اشتد ساعده في أن يتخذ من جميع مَن يختلف مع أفكار الإرهاب هدفًا تاليًا له، وهو ما نشهده بالفعل في سوريا والعراق وغيرها من الساحات المفتوحة لداعش وإخوانها من الجماعات والتيارات الإرهابية، وهو ما كان مخططًا لمصر أن تشهده لو نجح المخطط الإرهابي الخبيث في سيناء، وهكذا تدور العجلة الشريرة من قتل وتطاحن لا ينتهي إلا بملايين الجثث وأنهار الدم.
إذًا ما العمل لوقف هذا السيناريو الكابوسي، ليبيا ليست محطة التوريد الوحيدة للإرهاب، فهناك شمال سيناء بأنفاقها وحمساويها جبهة أخرى، وأيضًا الجنوب بسودانه وبشيره الذي اختار طواعية أن تكون بلده معبرًا للهاربين من يد العدالة المصرية وكما جعل بلاده نافذة لتجارة السلاح.
هذا الحصار الجغرافي بتلك التشكيلات لا يُبشر بخير، وما يزيد القلق على المستقبل هو بطء التحرك المصري الرسمي سواء على ميدان الدبلوماسية أو على مستوى ميدان الدفاع المسلح المشروع، وهو ما يبدو وكأنه حالة من انعدام الإحساس بدرجة ما نواجهه من مخاطر.
نعم الوقت ليس في صالحنا على الإطلاق فكلما تعاملنا بمنهج البيروقراطية القديمة، كلما تحكم الخصم في رقابنا، ولذلك أرى أنه لا بد من نهج جديد لمكافحة الإرهاب يقوم على دراسة شاملة وترتيب الأولويات وإيجاد آليات تتضمن كشف حساب يومي تعكف عليه الحكومة بأجهزتها المتنوعة وقياس مدى التقدم في الملفات العاجلة وفي مقدمتها ملف تحقيق الأمان للناس ومواجهة التطرف، بغير هذا تكون الحكومة وهي المسئولة التنفيذية حكومة لا ترتقي لمخاطر اللحظة.
البعض يختار إلقاء المسئولية على رقبة الرئيس عبدالفتاح السيسي مباشرة، ولِمَ لا .. فالرئيس مسئول أيضًا والدولة المصرية التي اعتمدت على توجيهات الرئيس على مدار مئات السنين لم تتعاف بعد من هذا المرض السياسي الطفولي، لذلك تنعقد الآمال على السيسي في اتخاذ إجراءات ثورية بحق في ملفي أمان الناس ومواجهة التطرف، فلا يكفي على الإطلاق صرخته للأزهر بأهمية تجديد الخطاب الديني، فالدولة نفسها عليها أن تعرف ما الذي تريده بالضبط من المؤسسة الدينية، والأزهر عليه أن يثبت أنه راغب حقًا في أن يقوم بدوره الأساسي كمؤسسة للتنوير الديني بدلًا من أن يكون مصدرًا لواحد من كوارث التعليم في مصر من خلال الإزدواجية ما بين تعليم أزهري وتعليم مدني، ولو كان الأزهر جادًا في مواجهة التطرف ليعلن لنا في شجاعة عن خطوات لاندماج جامعة الأزهر بين الجامعات بمعاييرها العلمية والتربوية المتعارف عليها أو على الأقل تنقية مناهجه لتسير حقًا في طريق التجديد الديني.
ونزيد على ذلك بأن تجديد الخطاب الديني ليس مهمة رجال الدين وحدهم، ولكنها مسئولية مجتمع بأكمله بما يحتويه من إعلام وثقافة وتعليم وفنون وغيرها، تجديد الخطاب الديني يعني انفتاحًا على التجارب التي سبقتنا في أوروبا التي تخلصت من سلطة الكنيسة وانطلقت كمارد نحو التقدم والحضارة والعلم، وقد نطمئن إلى تجديد الخطاب الديني وانحسار التطرف تمهيدًا للإعلان عن دحره عندما تتمكن الدولة من سحب البساط تمامًا من تحت أقدام التيارات الإرهابية بأن تعطي المواطن المصري حقوقه في التعليم والصحة والمواصلات دون واسطة ودون رشوة، قد نطمئن أننا على الطريق الصحيح سائرون، وأن خطابنا الديني سيتجدد عندما يتخلص الجهاز الإداري للدولة من ترهله ومن رواتب ومكافآت العاطلين بداخله وتحميل ميزانية الدولة ما لا تحتمل، فتعود علينا الدولة متنمرة في جباية الضرائب.
التعامل الجاد مع هذه الملفات المترابطة يمكن أن يجعل السفينة المصرية ترسو على بر الأمان ويجعل مصر أرضية غير خصبة إطلاقًا لا لإنتاج الإرهاب محليًا ولا لاستيراده عبر الحدود، وتغنينا كمواطنين عن السفر إلى ليبيا كفواعلية ومشاريع شهداء.