الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صَدق أو لا تُصَدق: القوى العظمى عاجزة أمام داعش!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أفاد تنظيمُ داعش ألدَّ أعداء الإسلام أكبر فائدة بإعطائهم الدليل العملى المادى الدامغ الذى يُدمِّر الكلام عن سماحة الإسلام، بمشاهد دامية متوحشة لا تمت للإنسانية بصلة، تُجَزّ فيها الرءوس تحت شعار "الله أكبر"، وفى الخلفية ترحيل إجبارى لغير من يؤمن بمذهب داعش من منازلهم وإجبارهم على ترك عقاراتهم وممتلكاتهم ومنقولاتهم الثمينة، وإعلان أن هذه غنائم أحلَّها لهم الإسلام، وصار المئات واللآلاف يَفرِّون بحياتهم وقد تلبسهم الرعب، وفيهم العجزة والأطفال، إضافة إلى القهر على تغيير الدين والملة، وسبى النساء وسوق للنخاسة، وفرض الجزية، وإقامة عقوبات الرجم والجلد، وتهديد العالم بالغزو والانتقام.. إلخ، وقد قام داعش بنفسه بتسجيل كل أفعاله بالصوت والصورة، بغرض معلن هو إشاعة مواقفه فى العالمين، ولكنها، عملياً، وفَّرَت على أعداء الإسلام بذل أى مجهود سوى مساعدة داعش فى ترويج تسجيلاته على أقصى مدى ممكن، حتى يعلم غير المسلمين ما يهم أعداء الإسلام أن ينشروه عن الإسلام!
أما المؤسسات المعنية بحماية الإسلام وبأمور الدعوة، فأمرها عجب مع داعش، وهى التى تنفر عروق قياداتها من رواية أو فيلم تشتم فيه إساءة إلى الإسلام وتكشر عن أنيابها للأدباء والفنانين، وتتوعدهم بالعذاب فى الآخرة، وتطلق عليهم الدهماء فى الدنيا بعد أن تشحنهم بتكفير أصحاب الكتب والأفلام!
أما مع داعش فليس سوى بيان هنا وخطبة هناك، بحديث عن مجرد أخطاء فى فهم الدين الحنيف، أو عن انحراف عن صحيح الدين! بل إن بعض رموز هذه المؤسسات يتحدث عن صواب السعى لإقامة الخلافة، وعن صحة سبى نساء غير المسلمين، ويأتون بحجج وأسانيد فقهية، ولكنهم، بخصوص داعش، يتحفظون على التوقيت وعلى المناخ الدولى غير المواتى! بما يعنى أن البعض فى هذه المؤسسات يخفق قلبه مع إنجازات داعش ومع إقامة شرع الله بهذه الطريقة، ولكنهم يرون أن الحين لم يحن بعد، أى أنهم يوافقون من ناحية المبدأ على أن سياسة داعش هى سعى لتنفيد شرع الله، حتى وإن اختلفوا فى مسألة التوقيت! ولا أحد يعلم كيف يتوهمون إمكانية نجاح الدعوة الإسلامية فى العالم بعد أن رأى الجميع الصورة على الأرض وعرفوا رأى المؤسسات الإسلامية، سواء بالصمت أو بالتأييد الملتوى، الذى لا يمكن فهمه إلا تشجيعاً لما يحدث.
خطر داعش على العالم لم يتجلَّ بعد، حتى أنه لم يصب إسرائيل فى جواره بأى أذى، واقتصرت جرائمه حتى الآن على البلاد العربية.
ومن مفارقات زمان داعش أن الرئيس أوباما صرّح أن أكبر خطر يواجه الأمن العالمى هو روسيا وداعش، وأعرب عن خشيته أن تمتد جرائمه إلى أوروبا وأمريكا! وردّ وزير خارجية روسيا سيرجى لافروف بل الخطر الحقيقى يتمثل فى أمريكا وداعش، وقال: إن داعش اقترب من الجمهوريات الإسلامية المتاخمة لروسيا بما ينبئ عن اقتراب الخطر من موسكو! وهكذا قفز داعش، بالاتفاق بين الكبار، إلى رأس قائمة الخطر فى العالم، حتى إذا كان وصيفاً لطرف يتغير حسب صراع المصالح الدولى!
ورغم هذا الاتفاق بين الكبار، إلا أن الأمر على الأرض مثير للدهشة، لأن روسيا تساعد نظام الأسد علناً ضد مناهضيه، وقد صار داعش على رأسهم، ولكن حتى الآن فإن داعش يحقق انتصارات معتبرة! كما أن الموقف المعلن لأمريكا، قائدة التحالف الدولى الذى يزعم أن هدفه هو القضاء على داعش، أن المهمة ليست سهلة وأنها سوف تستغرق عدة سنوات! وقد صَرَّح واحد من قادة التحالف الدولى، قبل أيام، بأن داعش قد مُنى بضربات قاصمة لم يعد قادراً بسببها على الهجوم بعد أن تحطمت قوته الأساسية، ولم يبق أمامه إلا أن يحمى مكتسباته وأن يدافع عن حياة أفراده، ولكن إذا بوكالات الأنباء، فى اليوم التالى لهذا التصريح، تؤكد أن داعش يتقدم فى العراق وأنه تمكن من استعادة أراضٍ كانت قوات البشمركة الكردية طردته منها قبل أسابيع! وجاءت أخبار أخرى مؤكدة عن تمكن داعش فى ليبيا، وسعيهم للوجود القوى فى السودان، فى سعى لاستكمال الحلقة حول مصر!
وتظل علامات الاستفهام تفرض نفسها، بما يُرَجِّح أن تصريحات الكبار هى محض كلام دبلوماسى يقولونه لإخفاء سياستهم الحقيقية، كما أن هذه التصريحات لا تتطابق مع الحقائق على الأرض التى تتعارض مع الإيحاء بأن القوتين العظميين أعجز من القضاء على داعش الذى لا يزيد عدد مقاتليه فى أكبر تقدير منشور عن 50 ألفاً! أو أنها تعجز عن السيطرة عن تمويله وعن الحيلولة عن مده بالسلاح والذخيرة! أو أن أجهزة المخابرات الدولية الرهيبة لا تعرف الممولين ومشترى النفط من داعش، وكيفية السداد وسبله وقنواته!
استمرار داعش، لا يفيد أعداء الإسلام فقط، وإنما يحقق للقوى العظمى مصالح هائلة، بإغراق الدول العربية وشعوبها فى نزيف دماء يمتد لسنوات لا يعلم لها أحد نهاية، كما أنه يعيقها عن إحراز أى تقدم، كما أنه يوفر لإسرائيل مناخ هدوء عندما يتورط كل أعدائها فى حروب لا تُبقِى لهم أى طاقة للتفكير فى إسرائيل، ولا يتبقى للعرب سوى ثرواتهم الخام يضطرون لبيعها للخارج حتى تستمر حياتهم فى حدها الأدنى!
من تغيرات المفاهيم السياسية الأمريكية التى تتجلى فى تعاملها مع داعش على أوضح ما يكون، أن الخوف على سُمعة السلاح الأمريكى والحرص على أن يكون منتصراً دائما، لم يعد معمولاً به الآن فى سياسة الجيل الحالى الذى يحكم أمريكا، لأنهم وضعوا شيئاً آخر يسبقه فى المرتبة، برغم أنها كانت مسألة حاكمة فى السياسة التى كان يمارسها هنرى كيسنجر، وقد صرّح بها للرئيس السادات فى تفسيره لمساندة أمريكا إسرائيل إلى آخر مدى والحرص على أن تنتصر فى صراعها ضد من يحاربون بالسلاح السوفييتى!
وهو تغير يستحق أن يوضع فى الحسبان، عند دراسة الأهداف الحقيقية التى تسعى أمريكا لتحقيقها فى المنطقة.
كما أنه على الدول المضارة من داعش أن تحدد الأطراف الإقليمية التى حددت أن مصلحتها فى دعم داعش، وراحت تمده بالمال والسلاح والتمويه على جرائمه، لأنه لا يمكن السكوت على كل هذا القتل والرعب والقهر والإذلال والتخريب والجهل والتجهيل!