رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

غزوة التسريبات وإعلام الفقاعات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على إثر التسريبات التي أصبحت موضة في عالم الإعلام حين تُستخدم للتشهير والإساءة، أردتُ بهذه السطور أن أذكر المتصدرين للمشهد الذي تملأ فتنة الشاشات ومعها بعض السطور التي تُخدم على فقه الإثارة..
إن ما يقدمه هؤلاء ليس إعلامًا.. بل هو حلف حانات وخيانات.
فأثناء تواجدنا بمدرجات كلية الإعلام جامعة القاهرة حزنت كثيرا لحال الكتب والمراجع العلمية التي تعرض النظريات الإعلامية المعمول بها في كوكب الأرض، والتي لم يكن من بينها إعلام الشعب.
ذلك الإعلام الذي يخدم الحقيقة ويعمل عند الناس فيقدم لهم ما يحتاجونه حين يذلل لهم صعابًا ويستنهض فيهم هممًا ويمنحهم أخبارًا وعلومًا وتسليه تسهم في صياغة نفوسهم وعقولهم على الشكل الذي يرتضيه مستقبل بلادهم.
ويؤسفني أن أقول وأساتذة الإعلام شهود أن النظريات الإعلامية تحوم حول فكرة التمويل... فتمويل الإعلام هو من يحدد شكله وبرنامجه ورسالته.
كون الإعلام سلعة من يملك صناعتها يملك رسالتها ومن هنا تأتى الخطورة التي تحتاج إلى وعي كبير يمتلك قدرات الفرز فيُفصل المشهد ويشرح الصورة.. ولا يندمج وسط الشائعة أو الأسطورة!
لقد عاش الإعلام وفقًا لنظرية التمويل على خدمة رأس المال، فأصبح له أسير... لا ينظر كثيرا لمربعات الحقيقة داخل الصورة!
رأينا في أمريكا مثلا كيف يتحكم الإعلان وأصحاب الشركات واللوبي الصهيوني في الإعلام الدولي من خلال امتلاك مصادر التمويل الإخباري والسيطرة على حركة الاقتصاد الدولي.
فعاش على إثر ذلك الإعلام العربي غربي الفؤاد صهيوني الهوى نتيجة لأنه عالة على وكالات الأخبار الدولية التي تمده بالخبر والصور وما قد يخضعا له من تحريف استخباري يختزل بداخلها نياته.
فليس عندنا ورش خاصة لتمويل الإعلام بالمعلومات والأخبار فأصبح يتغذى المواطن العربي على سم غربي داخل قدور عربية تذهب للمستهلك بكل ما لذ وطاب شكلا وهي تغشه بدس الداء خلف الرداء!
ولدينا شواهد محليه تحكي بإسهاب عن قدرة الإعلام على تزييف الوعي، وخذ دوره في أي انتخابات مثلا وراقب بموضوعيه لتخرج بنتيجة مؤداها أن من يملك وسائل الإعلام ويحسن استخدامها يملك أصوات الناس، فيحول الأقزام لأبطال على غير الحقيقة، فالإعلام قادر على صناعة القناعات المزيفة!
توزعت نظريات الإعلام ما بين النظرية الاشتراكية التي تسمح للدولة بالسيطرة والتمويل، فتملك شفتي الإعلام وأحباره بعدما تحدد هي أهدافه وهو حينها يقدم دعاية لا إعلام فيها وربما كانت هذه النظرية صالحة لأيام الحروب التي تخوضها الدول فيما يعرف بالإعلام الموجه لصالح الجبهات ولمواجهة العدو ولا يصلح إعلام التعبئة إلا بالظروف الاستثنائية.
والنظرية الغربية التي تؤسس للإعلام الحر الخاضع لسطوة رأس المال والذي يعيش على التنافس فكان هذا الهم خلف رغبة الإعلام في جذب المشاهد بأي وسيلة، فكرس جهوده في اتجاه يبدأ بمغازلة رغبات الناس ليتعزز ما يعرف بإعلام الشباك أي ما يهواه الناس وليس ما يجب أن يقدم للناس كون الإعلاميين هم قادة الرأي، ويتحملون أمانه تشكيل الرأي العام بشكل يتسق مع مصالح المجتمع وأهداف الأمة الكبيرة إلا أن زحف الواسطة على الواجهة جعل الحقل الإعلامي العربي عامة والمصري خاصة يخلو من المتخصصين لصالح المتطفلين، فعاثوا تسطيحا للقيم وبيعا للذمم!
والنظرية الثالثة هي النظرية المختلطة.. والتي تشبه حالة العالم الثالث ما بين إعلام نصف حر ونصف مملوك!
لم نر نظرية رابعة تتحدث عن إعلام الشعب... والذي ينفق عليه من ضرائب خاصة بالمعلومات أو أموال التبرعات والأوقاف كونه صاحب رسالة، ويعمل عند الحقيقة وتُشرف عليه طبقات أكاديمية لا تُدخل فناءه إلا من اكتمل نضجه وبناءه وفقا لأهداف تضعها وتشرف عليها النخب العلمية المتخصصة في المجتمع.. وهذا لا وجود له!
وسط هذه المحن اشتهرت عدة فضائيات فضائحية بانتحال مهنة إعلام ضرب الخصوم، وألحقت بالمشهد براعة التقنيات التي تعيش على تركيب الصور والأصوات وصنع القفشات التي توحي بأن تزويرا هنا تم أو استهدافا هناك وقع، وتم توجيه هذا الإعلام من جهات تستهدف جهات أخرى ومن دولة إقليمية تسعى إلى توسيع بقع الفوضى في دول أخرى من أجل تحقيق مصالح وترتيب سياسات وتمرير خطط.
وأصبح الإعلام آلة حربيه دعائية قد تخلى عن كل أهدافه التي من أهمها أنه وسيلة تثقيف وإخبار وتسلية، ويسعى لنشر القيم الوطنية.
واشترك مع هذا النوع الفضائحي لوبي إعلامي مساعد عبر أدوات ووسائل التواصل الاجتماعي الشديدة الانتشار وغيرها من وسائل الميديا.
وعمل الكل في حلف استهداف عقول خصومه وقد جعل أصولا لديه أن تنتصر أجندته على ضميره.. وهدفه على وطنه... وجيبه على قلبه.
حتى أصبحت المجتمعات أمام عصر إعلامي قلت فيه البراءة وتخلفت فيه مشاعر المسئولية تجاه أمن الناس واستقرارهم وحقهم في المعلومات الشفافة والبرامج النافعة والممتعة!
لقد تطورت هذه الآليات على يد فضائيات إقليمية تابعة بالتمويل والتجهيز والأهداف لأجهزة استخبارية تعمل من خلال الدفع المالي والدفع الإخباري التشويهي.
وفي المقابل ليس لدينا في مصر جهاز إعلامي للأسباب أعلاه قادر على التصدي من خلال تشريح الشائعات على يد خبراء المفرقعات الإعلامية، وإظهار سخفها، وشرح أهدافها وتقديمها للجمهور بشكل يطعن بمصداقية مروجي الأكاذيب من أجل حماية الجبهة الداخلية.
في هذا الإطار نستطيع أن نفهم طبيعة التسريبات التي تبثها عدة قنوات لديها خطة عمل تستهدف إسقاط الدولة المصرية فيما سيظل الضمان الوحيد لصمودها هو وعي الناس بالمخاطر التي تحيط بالدولة في هذه المرحلة الخطيرة من عمرها وصمود هذا الوعي واستعصائه على الاختراق هو العامل الأقوى في حسم المعركة التي يتعرض لها بغزوات التسريبات المفتعلة هنا وهناك بعدما تورطت الأجهزة الإعلامية في أنشطة استخبارية كريهة حرفتها عن رسالتها الكبيرة في النهوض بواقع ينتظر أيادي المخلصين.
فانتبهوا لوطن لا يحميه شيء أكثر من سلامة الضمير وحكمة التصور.