الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الزعامة التاريخية رحلت وتأثيرها مستمر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كشفت انتفاضات الربيع العربى عن الكثير من الظواهر فى حياتنا، حيث أعادت الاعتبار إلى المواطنين والشعوب التى كانت تتهم باللامبالاة والسلبية والجُبن عن مواجهة واقع الاستبداد والتسلط والإفقار المتزايد والفساد، تلك الاتهامات التى كان يرددها الغرب والكثير من المستشرقين والعديد من المثقفين العرب فى مختلف الأقطار العربية، وبالمثل كشف الربيع العربى عن قابلية مجتمعاتنا الإسلامية للتحول إلى الديمقراطية، وإن بصعوبة فى بعض الأحيان "حالة مصر" وبسهولة فى أحيان أخرى "حالة تونس"، وأظهرت هذه الانتفاضات بما لا يدع مجالًا للشك خواء الإسلام السياسى وعجز مشروعه عن تحقيق تطلعات الشعوب إلى الحرية والتقدم والمدنية والمساواة.
من بين ما أبرزته أحداث الربيع العربى ويبدو ملفتًا ومثيرًا تأثير الموتى من الزعامات والقيادات التاريخية فى الأحداث الجارية والمشهد السياسى الراهن، إلى حد يمكن القول معه إن هؤلاء الموتى من الزعماء والقادة يمارسون تأثيرًا فى السياسات أو فى الجماهير يفوق الساسة الأحياء الذين يتصدرون المشهد الراهن.
وربما استحقت هذه الزعامات صفة التاريخية لأن رحيلها واختفاءها لم يعن توقف تأثيرها وزوال آثارها ومآثرها كأن لم تكن، بل بقيت هذه الآثار والمآثر فى وعى ولا وعى المواطنين الذين يقومون باستدعائها عندما تستجد ظروف تتطلب ذلك ويرون أنها مناسبة لاستحضار إنجازات هذه القيادات.
يبرز من بين هذه الزعامات التاريخية التى تؤثر فى المشهد السياسى الحالى عبد الناصر فى مصر، وبورقيبة فى تونس، فالأول استحضر مرارًا وتكرارًا، مآثره وإنجازاته فى أحداث ثورة الخامس والعشرين وما بعدها أو فى أحداث الموجة الثانية للثورة فى 30 يونيو، وظهور السيسى وقيادته لإسقاط نظام الإخوان.
ومنذ ذلك التاريخ أعادت المخيلة الشعبية استحضار زعامة عبد الناصر وإنجازاته، خاصة ما تعلق منها بالدولة المدنية والمواجهة التى خاضها ضد الإخوان والحول دونهم ودون السيطرة على مقدرات ثورة 23 يوليو، أسقط المصريون شخصية الزعيم الراحل على عبد الفتاح السيسى، ورأوا فيه ملامح عبد الناصر وتوجهاته الاستقلالية والمدنية ورأوا قاسمًا مشتركًا أعظم بين الرجلين رغم تفاوت الظروف والعهود واختلاف روح العصر ومعاييره.
فى تونس وفى الانتخابات التشريعية والرئاسية أولى التونسيون حزب نداء تونس الذى تشكل بعد الثورة الثقة التى مكنته من الحصول على الأغلبية فى الانتخابات التشريعية وجاء ترتيب حركة النهضة فى المرتبة الثانية، وفى الانتخابات الرئاسية التى جرت على مرحلتين فاز الباجى قائد السبسى فى هذه الانتخابات بأغلبية الأصوات على منافسة المنصف المرزوقى، وأصبح "نداء تونس" مخولًا بتشكيل الحكومة الجديدة التى سوف تتوافق مع الرئيس الجديد لمواجهة التحديات التى تواجه تونس.
اختار التونسيون فى هذين الاستحقاقين الانتخابيين نداء تونس وزعيمه السبسى الذى كان أحد رموز العهد البورقيبى والدولة التونسية فى هذه الحقبة، وهذا الاختيار يعنى اختيار التونسيين للدولة المدنية والقيم العلمانية والمبادئ التى تؤطر تأسيس دولة ما بعد الاستقلال بتوجهاتها الحداثية فى التعليم والثقافة وحقوق المرأة والمواطنة دون أن يعنى ذلك العودة إلى النظام القديم بعد أن تغير كل شيء، وتخلص التونسيون من ميراث الدولة البوليسية والأحادية الحزبية من أجل إقامة الدولة الديمقراطية والتعددية.