الإثنين 06 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عمار يا مصر.. فتاوى التغريب والتغييب!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في مثل هذه الأيام من كل عام تخرج علينا فتاوى بعضها يحرم تهنئة الإخوة المسيحيين بعيد الميلاد المجيد، وبعضها يجيز التهنئة باللفظ فقط، وبعضها يجيز التزاور والتهنئة وتقديم الهدايا، وبعضها يحرم التزاور وتبادل الهدايا، ومع كل فتوى من الفتاوى يدور اللغط ويكثر الكلام، ويتراشق أصحاب الفتاوى بالألفاظ ويتهمون بعضهم بالجهل أحيانًا وبالكفر أحيانًا أخرى، ويمر عيد الميلاد المجيد وتمر ليلة السنة الميلادية، ويعيش الناس حياتهم بين رغد العيش وضنكه، وبين يُسر المعيشة وعُسرها، ويبقي كلام المشايخ (ظاهرة هذا الزمان) عالقًا في الأذهان إلى حين.. فلا فتوى المشايخ يسرت أمرًا عسيرًا ولا حولت ضنك العيش إلى رغد!!
وبمناسبة مولد الهادي الأمين والاحتفال بالمولد النبوي الشريف يحدث كل عام منذ خرج علينا شيوخ ما بعد ثورات الخريف العربي من كل حدب وصوب يعلنون في الآفاق الدعوة لتصحيح ديننا وتغيير حياتنا وكأننا لم نكن على الدين الصحيح.. دين الفطرة والإنسانية.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.. يحرمون الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ويعتبرون الاحتفال بدعة وكأن الاحتفال خروج عن الدين، ويدور الكلام ويدور الجدل ويلهث الباحثون عن الأدلة والبراهين والأسانيد التي تؤيد وجهة نظرهم، ويمر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ويشتري الناس حلوى المولد.. مسلمون ومسيحيون.. ومن لا يشتري يأكلها من الهدايا التي تصل إليه!!
الحقيقة أن مشايخ هذا الزمان من رواد الشاشات والجلوس أمام الكاميرات يعرفون حق المعرفة أن كلامهم وفتاواهم تذهب أدراج الرياح، وأنها لن تؤثر من قريب أو بعيد في تغيير منهج الشعب المصري في الاحتفال بهذه المناسبات وتاريخ المصريين يشهد على ذلك.
السؤال الذي لا يريد شيوخ الفتنة – أقصد شيوخ هذا الزمان – الإجابة عنه هو: هل منعت فتاواهم المسلمين من تهنئة المسيحيين ومن زيارتهم وتناول أطعمتهم والاحتفال معهم بعيدهم؟ وهل منعت الشعب المصري من الاحتفال بالعام الميلادي الجديد كل عام وبنفس الشكل والقدر؟ وهل منعت المسلمين من الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وشراء الحلوى وتقديم الهدايا والاستماع إلى سيرة النبي العطرة والصلاة عليه وعلى زوجاته وذريته؟.
في تقديري أن بعض مشايخ هذا الزمان من أصحاب التشدد والغلو في الدين من السلفيين وبعض الفرق التي لا نعرف ولا يعرف معظمنا عنها شيئًا هم دعاة التغريب والتغييب في هذا الزمان، وهم مَن يريدون تضييع هويتنا المصرية وطمس معالمها، ويسعون إلى تغيير السبيكة التي حيّرت العالم وجعلتها تقف عصية على كل الطامعين في هذا البلد!! وأمثال هؤلاء لم يستوعبوا بعد طبيعة هذا الشعب، وهم مَن يعترفون بأنفسهم عندما يقولون إن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة أدخلها الفاطميون في مصر، وهؤلاء حكموا مصر أكثر من 260 عامًا ومع ذلك لم يتشيع الشعب المصري وبقي سني المذهب إلى يومنا هذا وحتى تقوم الساعة بإذن الله، فما الداعي إذن لطرح هذه القضية كل عام طالما أن الاحتفال لا يأخذ من عقيدة المسلم، بل يضيف حبًا وعشقًا للرسول الكريم!
الشاهد أن أصحاب هذه الفتاوى لا يقولون ذلك لوجه الله، إنما يقولونه لأسباب أخرى يعلمها الله، وإذا كان هؤلاء حريصون على الدين - الذي يحفظه الله - وحريصون على المسلمين فلماذا نرى كل هذا البعد عن الدين وكل هذا الفساد الأخلاقي، وكل هذا الإلحاد الذي يضرب نسبة لا بأس بها من شبابنا؟ لماذا لم تؤثر دعوتهم في كل هؤلاء، ولماذا ينفض من حولهم الناس؟ أزعم أن نسبة كبيرة ضاقت بهم وبفتاواهم وأبعدتهم كثيرًا عن الدين الصحيح، وأزعم أن الخطاب الديني الذي يقدمه مشايخ هذا الزمان هو سبب من أسباب التراجع الذي نشهده هذه الأيام والذي يؤدي مباشرة إلى تغريب الناس عن أنفسهم وهويتهم السوية وإلى تغييبهم عن الواقع الذي يعيشون فيه!
أولى بكم يا مشايخ هذا الزمان أن تتقوا الله في دينكم وتدعون الناس إلى صحيح الدين ويُسره وسماحته، وإلى قبول الآخر في الإنسانية.. وكل عام وأنتم بخير.