الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الرئيس الذي أبهر المراقبين في لقائه بالمثقفين (4 – 4)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في لقائه بالمثقفين.. ابتدرهم برسالة يقرأ أعماقها المتابعون للشأن المصري لعلهم يُطلِعون عليها المهرجين على المقاهي وبالأزقة، اللاهثين خلف السلطة.. وأولئك الرداحين من المُنظرين الذين لا يعرفون إلا أن يكونوا على مقاعد المشاهدين.. وعندما تلزمهم بنظريتهم وتمنحهم الفرص لتطبيق منظومتهم يكونوا أول الفارين وبصفوف المنهزمين، فهناك صنف لا يجيد إلا الحكاوي، وهناك من نصَّب نفسه حكيمًا وكان منذ ليلتين رجلًا غاويًا.. هؤلاء ما أكثرهم في بلادي.
صنف اختار لأن يكون خلف النساء وقد تركهن لظلام الحواري تصنع بهن الفتنة ما تشاء عبر مظاهرات تعطي غطاءً شرعيًا لمن يريد أن يندس وسط الجموع كي يأخذ ثأرًا قديمًا، وهناك مَن يملك غيظًا فينفثه من خلال ضجره على سلطة كانت قريبة من أمله!
دون أن يعرف الجميع، أن السلطة اليوم ليست أكثر من ورطة، وأنها كمرض مزمن في حاجة إلى طبيب ماهر لربما تنهى حياته المهنية لفشله في التشخيص ووصف العلاج الذي قد يُهلك المريض فما يكون للطبيب من حظ غير تحمل المسئولية!
وهكذا هو حكم مصر اليوم.. مغرمًا وليس مغنمًا.. ألمًا يحتاج إلى ورع.. ثقلًا بحاجة لكل ثقة.. يطلب القوي الأمين.. مَن يعطي لا مَن يأخذ..
وعليه فقد شَخص الرئيس حجم الأزمة وتشعبها، وعينه لا تبعد عن مراقبة أصحاب الحظوظ فيها، فيقول إن الرئيس عبد الناصر كان من هؤلاء، رغم متاعبه مع الجماعات والخيانات والعداءات، ولكنه استلم شعبًا قليل العدد 19 مليونًا.. وليس عليه ديون ومحاصيله تكفيه.. أما مصر اليوم فقد أهلكها كل مَن سبقه.. وأتعبها كل من تركه.. وخانها كل مَن عمل فيها وعمل لها.
وقد جاءها الرئيس بعد ثورتين.. وليست الثورات حراكًا بنائيًا في عادته، إنما هو في نتائجه الطبيعية حراكًا تنفيسيًا عن مطالب مشروعة، ينفجر في أكوام من الإنجازات المرصوصة فيحيلها خرابًا يتحول إلى عبء إضافي على ميزانية الدولة كالتي شهدته المباني العامة من حرائق وتخريب بفعل المندسين وشبكات التآمر التي أرادت كيدًا بالوطن، فليس صحيحًا أن يكون هناك بطل الظروف الراهنة حاكمًا كاسبًا مهما كانت قدرته.. ولا مؤهلًا للنجاح إلا أن يكون مرصودًا بالقدر للقيام بمسئولية ذات قدر.. فحسنى مبارك لم يترك في الدولة قدمين لم ينخرهما الفساد ولم يدع مؤسسة لم يسويها بالفناء ويضربها الخراب وكان عليه أن يترك منصبه قبل خمسة عشر عامًا من اليوم الذي تركه.
لقد كانت القوات المسلحة تعرف حجم المصيبة، ولكنها محكومة بأمر الشعب وبقيم الدستور الذي لا يسمح لها بالتحرك إلا تحت مظلة شعبية تنقل الشرعية من السطور إلى الشوارع، وقد حدث ذلك مرتين واحدة في عهد مبارك، فخلعته وعاشت مع الشعب والثانية في عهد مرسي فخلعته وخضعت لمطالب الشعب.
الرئيس.. أراد أن يضع على الطاولة أمام المثقفين حالة الوطن الذي تركوه كعظام نخرة، في حاجة إلى علاج وإصلاح، فإن حجم الفساد الذي يشير إليه الجهاز المركزي للمحاسبات لم يعد فساد كشوف وحسابات.. لقد أصبح وأضحى فساد نفوس وإدارات أيضًا وهذا أصعب أنواع الفساد لأنه يحتاج من جديد إلى تربية وترشيد!
وقد اشترك في ترسيخ هذا الفساد نمط ديني يلغي الضمير لصالح الثوب القصير.. ونمط حكومي يلغي المسئولية لصالح الرشاوى والمحسوبية.. وكلاهما تأمرا على الوطن في غياب النخب الواعية!، فأضحى شأن البلاد على حافة الهاوية.
المصارحة شيء مطلوب، ولكنها تحتاج إلى مشاركة في تحمل مسئولية إنقاذ البلاد، فلن يغرق وحده الرئيس لو غرق مركبنا الكبير، بل سيغرق كل مَن على ظهرها حتى الطفل الصغير.. وهنا تختلف المسئوليات ولكن يقينًا تتساوى المهام.