الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قراءة جديدة في إجابات قديمة ( ١٠ )

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ماذا عن الخريطة السياسية فى المستقبل المنظور ؟
في ١٩ فبراير ٢٠١١ ، و الثورة مازالت في الميدان ، كتبت رؤية سياسية تحت عنوان " اللحظة السياسية الراهنة و المهمات الملحة " ، وكان الغرض من كتابة هذه الورقة هو المساهمة في تأسيس حزب سياسي جديد ، وهو الامر الذي انتهى بالفعل ، بفضل جهود متنوعة لعدة مجموعات ، وعشرات القيادات و الكوادر ، الى تأسيس الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي ، وكنت قد طرحت رؤيتي السياسية في هذه الورقة من خلال مجموعة من الاسئلة التي تصورت انها ملحة ، وأن هناك ضرورة للاجابة عليها ، والسؤال الذي يتصدر العنوان الفرعي لهذا المقال كان احد اهم هذه الاسئلة : " ماذا عن الخريطة السياسية في المستقبل المنظور ؟ " ، و لم تكن الاجابة على هذا السؤال امرًا سهلًا فالصراع كان لا يزال في الميدان ، والحياة السياسية لم تتبلور بعد ، والمستقبل يبدو غامضًا وغير واضح المعالم ، ومع ذلك كان استشراف المستقبل ، المستقبل المنظور للحياة السياسية او الخريطة السياسية ، امرًا ضروريًا وملحًا لكي تحدد القوى البازغة ، التي ننتمي اليها ، و التي نرغب في بلورتها و تأسيسها ، موقعها داخل هذه الخريطة المتوقعة ، ولذلك فلقد حاولت بالاستناد على قراءة الواقع و تحليله ، تقديم الاجابة التالية : " نحن نعتقد أن مصر ستعرف فى الشهور القليلة القادمة ثلاث قوى أو تحالفات سياسية رئيسية، الأولى: الحزب الذى يمكن أن يرث الحزب الوطنى ويعيد تجميع ما يمكن وصفه بـ حزب الإدارة" أو "حزب الدولة"، والثانى جماعة الإخوان المسلمين التى قد تكون نواة تحالف يضم أغلب القوى القومية فضلاً عن بعض التيارات اليسارية القومية التوجه، وأخيراً ائتلاف ليبرالى واسع نواته أحزاب الوفد والجبهة الديمقراطية والغد ومن الممكن أن يكون هذا الائتلاف نواة تحالف يضم تيارات اليسار الديمقراطى وعددًا كبيرًا جداً من الشخصيات المستقلة والمهنية ... الخ، والأرجح أن تخوض هذه القوى الثلاث الانتخابات البرلمانية فيما يمكن أن يقتصر الأمر بالنسبة للانتخابات الرئاسية على مرشحين أساسيين فقط، الأول سيكون مرشح تحالف الدولة والإخوان، والثانى سيكون مرشح القوى الليبرالية واليسار الديمقراطى.
والملاحظ ، بصفة عامة ، أن أضعف القوى التى شاركت ، من حيث التنظيم ، رغم عدد أفرادها الكبير جداً ،هى قوى اليسار ، على اختلافها ، التى لم تنجح فى البروز كقوة متميزة فحسب، بل لم تنجح أيضاً فى إبراز عدد من القيادات والرموز مثلما نجحت القوى الأخرى بما فيها القوى الناصرية التى شاركت اليسار فى عدم بلورة أى وجود تنظيمى مميز".
سنلاحظ من خلال هذه الاجابة انني تنبأت ، وعلى المدى المنظور بثلاث قوى : الاولى هي الحزب او التحالف الذي يمكن ان يرث الحزب الوطني ، و يبدو ان هذه النبؤة بالتحديد لم تتحقق ، على الاقل بحذافيرها ، لأن حزب ، او تحالف ، الدولة او الادارة لم يتشكل و يتبلور في الشهور التي تلت الثورة مباشرة ، بل انه لم يتبلور حتى الان ، و لعل سبب ذلك يعود الى ان " اوليجاركية " او طغمة مبارك الحاكمة كانت قد تعرضت ، جراء الثورة ، لضربات موجعة ، و حتى الان لم تتبلور بعد اوليجاركية جديدة ، ومن ثم لم يتبلور بعد حزب سياسي حول الدولة ، لكن ذلك لم يمنع المجموعات ، والعناصر ، التي اعتادت الانتماء الى حزب الدولة ، منذ هئية التحرير و حتى الحزب الوطني ، من تكوين مجموعة من الاحزاب خاض بعضها ، وهم في اوج ضعفهم وانكسارهم ، انتخابات البرلمان السابقة وتلقوا هزيمة كبيرة ، وهم الان ، وأجهزة الدولة التقليدية تستعيد عافيتها ، وتحاول اعادة بناء طبعة جديدة من طبعات اسرة ٥٢ ، ينظمون صفوفهم ، ويستعدون لخوض الانتخابات البرلمانية القادمة ، واغلب الظن انهم سينجحون في تحقيق نتائج افضل بكثير من الانتخابات السابقة ، ويظل القوام الرئيس لهذه الاحزاب ، بعد استبعاد بعض رموزها المحسوبة على نظام مبارك ، رهن إشارة الرئيس اذا ما قرر تشكيل حزب جديد للدولة .
القوى الثانية التي تنبأنا بتكوينها على المدى المنظور كانت الاخوان ، وذهبنا الى ان الاخوان قد يكونون نواة تحالف يضم اغلب القوى القومية فضلا عن بعض القوى اليسارية القومية ، وهذه النبؤة بالتحديد صدقت الى حد بعيد فلقد نجح الاخوان فعلا في بناء تحالف اتسع لكي يشمل حزب مثل الكرامة ، وشخصيات مثل وحيد عبد المجيد في الانتخابات البرلمانية ، وشارك شخصيات مثل عبد الجليل مصطفى وحمدي قنديل في تأييد مرسي في الانتخابات الرئاسية .
القوى الثالثة ، التي توقعنا ظهورها ، هي ما اطلقنا عليه ائتلاف ليبرالي من الممكن ان يكون نواة تحالف واسع يضم قوى اليسار الديموقراطي ، ورغم ان هذا التيار او هذه القوى لم تنجح في بناء تحالف واحد في الانتخابات البرلمانية السابقة ، وربما لا تنجح أيضاً في بناء تحالف واحد في الانتخابات القادمة ، الا انها مع ذلك تظل قوى محددة لها توجهات واحدة مثلما يظل الاخوان تيار محدد قد ينجح احيانا في بناء تحالف واسع ، و قد يفشل في أحيان اخرى ، و أخيرا يظل حزب " اسرة ٥٢ " او " الفلول " هم القوى الثالثة ، ومن ثم يمكننا القول ان الخريطة السياسية منذ ١٩ فبراير ٢٠١١ ، و حتى الان ، و كما توقعنا في ١٩ فبراير ، لم تتغير كثيرا ، و هذه الرؤية تقسم القوى السياسية ، في مصر ، الى ثلاث تيارات ، وفقا لموقف هذه القوى من هوية الدولة ، بإعتباره الموضوع الملح الذي يفرض نفسه الان ، و ليس وفقا الى هوية هذه القوى ، او توجهاتها الاجتماعية ، فالقوى الاولى ترغب في اعادة انتاج دولة استبداد تنتمي الى اسرة ٥٢ ، والثانية تهدف الى بناء دولة استبداد ديني ، والثالثة تسعى الى بناء دولة ديموقراطية مدنية حديثة .