الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أمريكا تلعب "مسرحية القضاء على داعش"!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ليس لمصر مصلحة فى الحملة الدولية التى تقودها أمريكا بدعوى محاربة تنظيم داعش، بعد أن تكشَّف أنها حملة وهمية لا تخطط للقضاء على داعش، كما تزعم كذباً وبسوء نية وبتخطيط يسعى إلى إخفاء الأسباب الحقيقية، وإنما لها مآرب أخرى! أما مصر فعليها أن تجد لها خططاً بديلة، مع حلفاء آخرين، خاصة وقد أثبت داعش، علناً ودون مواربة، أنه يستهدفها ويخطط لإلحاق الأذى بأمنها الوطنى، وقد تجاوز تهديداته الدعائية إلى العمل على الأرض، وراح يزرع عناصره فى سيناء وفى ليبيا على الحدود الغربية!
وهناك حقائق، بعضها من معلومات متداوَلة فى الصحف السيارة لم يُكَذِّبها أحدٌ من أطرافها، وبعضها يمكن استنتاجه مباشرة من متابعة تطورات الأحداث الأخيرة.
أول هذه الحقائق، أن إسرائيل وأمريكا، ومعهما مخابرات دول أخرى، هم الذين احتضنوا تأسيس داعش، وقاموا بتدريب قادته، وأمدوه بالإمكانيات التى ساعدته على الانطلاق. والحقيقة الثانية، هى أنه لم يكن لهذا المخطط أن يتجلى على أرض الواقع إلا لتوافر ممكنات محلية، فى الثقافة الدينية السائدة وفى جذور فقهية تراثية، إضافة إلى عوامل أخرى، بما يعنى أن داعش وأخوته من التنظيمات المماثلة فى المنطقة هم بالأساس أبناء شرعيون لهذه البيئة قبل أن تتآمر عناصر خارجية لاستغلالهم لتحقيق أغراضها. وثالث هذه الحقائق، أن داعش وأمثاله يُشَكِّلون قوة تخريبية هائلة ضد مجتمعاتهم وضد مواطنيهم على كافة الأصعدة، وهم يتحركون هنا بعقيدتهم، حتى دون أن يُملى أحدٌ عليهم شيئا، يكفى فقط احتقارهم لفكرة الوطن والاستعاضة عنه بالانتماء للأمة الإسلامية، ونبذهم لمواطنيهم من الديانات والمذاهب الأخرى مقابل دعم وشائج التلاقى مع المسلمين من بلاد أخرى، مما يجعلهم يُفرِّطون فى أى شيء وطنى فى سبيل إنجاح فكرتهم التى تسعى لتحطيم الأوطان، ويكفى أيضا نظرتهم غير الإنسانية للمرأة التى يترتب عليها تعطيل نصف طاقة المجتمع، كما أنهم يستهينون بالحياة ويهدرونها بكل بساطة، وهم على استعداد لإعدام حتى مَن ينتمى إليهم فى الفكر والحركة إذا اختلف معهم فى أبسط التفاصيل، كما أنهم ضد العلم والحضارة وأقصى آمالهم أن تعود الحياة إلى الخلف كما كانت فى عصور مظلمة يرونها الفردوس الأمثل للحياة على الأرض. ورابعا، أن جيش داعش تجاوزت أعداده 30 ألف مقاتل، ويصل به بعض المحللين إلى نحو 50 ألفا. أما ثراء التنظيم فقد وصفه البعض بأنه أكثر التنظيمات الإرهابية ثراءً فى العالم، بل عبر التاريخ، يكفى أن دخله من البترول يصل إلى نحو 3 ملايين دولار فى اليوم، كما أنه سطا على 400 مليون دولار من بنوك الموصل وحدها، كما أنهم سلبوا غنائم تُقدَّر بمئات الملايين من الدولارات من منازل ومنقولات ومجوهرات المسيحيين الذين قايضوهم على حياتهم وأجبروهم على ترك كل شيء والرحيل عن ديارهم، وهناك أيضاً العوائد من فداء الأسرى، وقد وصل هذا البند إلى نحو 25 مليون دولار فى عام 2014. هذه الميزانية تسمح لهم بالإنفاق عن سعة على شرطتهم وقضاتهم وعلى مرتبات مقاتليهم الذين يتحصلون على حافز فى شكل حصة من الغنائم فى كل معركة يخوضونها.
وقبل القفز إلى كيف تكون المواجهة، ينبغى اكتمال الصورة بحقيقة صارت على الأرض تقول إن الإقليم الواقع تحت نفوذ داعش الآن يمتد على مساحة شاسعة من كل من سوريا والعراق تصل إلى ما يقارب حجم إنجلترا! وأن سكانه يبلغ عددهم نحو 4 ملايين صاروا يشكلون مواطنى، أو رعايا، دولة داعش، التى يطلقون عليها الآن الدولة الإسلامية.
بهذه الأموال وهذا القاعدة الإرتكازية صار لداعش قوة وصلت إلى حدّ إسقاط طائرة الأردن إف 16 قبل أيام وأسر قائدها، بما يؤكد أنه صار فى حوزتهم تقنيات على درجة عالية من التطور، تتمكن من اختراق النظم الحمائية لمثل هذه الطائرة الأسطورية بل والتشويش على أجهزتها، وهذا يثبت أيضا أن لدى داعش الأطقم الفنية المدربة على هذا المستوى الفائق.
والغريب أن يتم هذا بعد يوم واحد من تمكن قوات داعش فى العراق من استرداد بعض الأراضى التى كانت قوات البشمركة طردتهم منها قبل أسابيع أيضا بمعاونة الضربات الجوية من قوات التحالف.
مع ما يبدو لأول وهلة أنه تضارب فى كيفية تعامل أمريكا وحلفائها، إلا أن الغموض يتبدد مع تصور أنهم ليسوا ضد داعش من ناحية المبدأ، بدليل أنهم ساعدوا على توليده، ولكنهم لا يقبلون أن يتجاوز حجم القوة التى تسمح له بالمروق عن القواعد المرسومة له، بما قد يُفقد أمريكا وحلفائها السيطرة على مجريات الأمور، لذلك يتصدون له بالضربات الجوية وبتسليح خصومه عندما تأخذ الحماسة التنظيم على الأرض ويتجاوز الخطوط الحمر الممنوع عليه الاقتراب منها، ولكنهم يمدّون له يد العون إذا كان فى مأزق، مثلما قالت الأنباء عن دفعة السلاح التى سقطت فى يد مقاتلى داعش من طائرات التحالف "بالخطأ" بدلاً من أن تذهب إلى مقاتلى المقاومة السورية المواجهة لداعش على خط النار. كما أنهم يغضون الطرف عن تجارته اليومية فى النفط، وهو ما يمكن تخيل أن تعجز أمريكا عن وقفه إذا أردات!
قادة داعش من ناحيتهم ملتزمون بمقولات أعلنوها صراحة "أن الله سبحانه وتعالى لم يأمرنا بقتال إسرائيل"، وهو أهم مبدأ تتمسك به أمريكا وحلفاؤها ولا يقبلون فيه أى مساومة. ولكن البداهة لا تقبل فكرة أن يشارك فى المؤامرة كل هذا الجيش الداعشى، بل من المنطقى أن يكون فى صفوفه مخلصون لأنفسهم ولعقيدتهم ويؤمنون أنهم يؤسسون حلمهم فى دولة الخلافة لإقامة شرع الله، وهم واثقون أن يوم إسرائيل قادم حينما يحين الحين! قد يكون هؤلاء هم الذين يتجاوزون الخطوط التى يلتزم بها قادتُهم مع أمريكا وإسرائيل، مما يجعل أمريكا تقوم بعملية "تصويب" للمسار، حتى يعود التنظيم إلى حجمه المطلوب الذى يتوقف عند استنزاف قدرات هذه البلاد، وتحطيم ممكنات تطورها، وإشعال نيران الفتنة الدينية والمذهبية التى تئِد أى إمكانية للتقدم بل وتهدم كل منجزات الماضى، وأن يكون البُعبُع لكل صاحب فكر تقدمى أو مبدع فى مجالات الأدب والفن. وكل هذا تسعد به أمريكا وإسرائيل.
هذا هو بالضبط ما يتعارض مع مصلحة مصر، لأن الخطر المحدق بها من داعش يدخل فى حدود ما تقبله أمريكا وحلفاؤها، أو ربما يتجاوز مجرد القبول إلى أن يكون مدرجاً فى الخطة الموضوعة لداعش!
وهذا هو ما يدعو إلى أن يكون لمصر خطة أخرى فى تحالف آخر يهمه القضاء الحقيقى على تنظيم داعش! مع مراعاة عدم التورط الفعلى فى حرب على الأرض.